أثار مشروع قانون قدمه نواب جمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن الانسحاب من الأمم المتحدة ووقف تمويلها جدلًا واسعًا، فيما استبعد دبلوماسيان مصريان سابقان تمريره لأهمية المنظمة سياسيًا واستراتيجيًا للولايات المتحدة.
وقدم السيناتور الجمهوري مايك لي، الخميس الماضي، مشروع قانون لمجلس الشيوخ بعنوان "قانون فك الارتباط الكامل من الأمم المتحدة لعام 2025"، يقضي بإنهاء عضوية الولايات المتحدة في المنظمة والهيئات التابعة لها، مما يعني وقف تمويلها، وحظي المشروع بتأييد النائبين الجمهوريين مارشا بلاكبيرن وتشيب روي، الذي أكد أن "الأمم المتحدة وهيئاتها لا تخدم مصالح الأمريكيين".
وحذر مساعد وزير الخارجية الأسبق حسن هريدي من أن "التأثير على واشنطن سيكون أكبر سياسيًا واقتصاديًا واستراتيجيًا"، بينما أكد السفير عبد الرؤوف الريدي، مندوب مصر الأسبق لدى الأمم المتحدة في جنيف، أن "العقلاء داخل الإدارة والمؤسسات الأمريكية يدركون خطورة القرار ولن يسمحوا بتمريره".
ووقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2 فبراير/شباط الجاري، أمرًا تنفيذيًا يدعو إلى مراجعة عامة للتمويل الأمريكي والمشاركة في الأمم المتحدة، وقال ترامب قبل التوقيع "لطالما شعرت بأن الأمم المتحدة تتمتع بإمكانات هائلة، لكنها لا ترقى إلى مستوى هذه الإمكانات في الوقت الحالي".
وتقدم أمريكا تمويلًا أكبر من أي دولة أخرى للأمم المتحدة، حيث تبرعت بأكثر من 18 مليار دولار في عام 2022، وفقًا لمركز أبحاث السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما يمثل نحو ثلث الميزانية الإجمالية للأمم المتحدة.
من ناحيته، قال هريدي إن الأمم المتحدة بالفعل تعتمد الآن على أمريكا في جزء كبير من ميزانيتها لكن في المقابل هناك استفادة كبيرة من وجود مقر المنظمة في مدينة نيويورك.
وأضاف "ستكون ضربة قاسمة لنيويورك على المستوى الاقتصادي والتجاري لأن وجود مقر الأمم المتحدة هناك يحقق لها رواجًا كبيرًا".
وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن "أمريكا هي المستفيد الأكبر من وجودها داخل الأمم المتحدة سياسيًا واستراتيجيًا وتستخدم المنظمة دائمًا لتنفيذ ما تريد، وآخرها أمس بالقرار المتعلق بالحرب الروسية في أوكرانيا".
ووافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أمس الاثنين ، على مشروع قرار اقترحته أمريكا يدعو لنهاية سريعة للنزاع وتحقيق سلام دائم بين موسكو وكييف، وصوتت 10 دول لصالح القرار، بما في ذلك روسيا والصين وأمريكا، بينما امتنعت 5 دول عن التصويت، ولم يصوت أي عضو ضد القرار.
وتوقع هريدي أن يواجه ترامب معارضة كبيرة داخل الحزب الجمهوري نفسه وداخل الكونجرس وكذلك في الرأي العام الأمريكي بشكل عام، مضيفًا أن مثل هذه التصريحات "مجرد أفكار تطرح لكن لا تنفذ".
وهو ما توقعه السفير عبد الرؤوف الريدي إذا أكد أن إدارة الدول بعقلية رجل الأعمال لا يمكن أن تنجح وفي حال طرح مثل هذا الأمر على الشعب الأمريكي الذي انتخب ترامب سيرفضونه في الغالب لأن الأمر يتعلق بصورة أمريكا في العالم.
وأشار الريدي إلى التأثير المزدوج لمثل هذا القرار على أمريكا والمنظمة، لافتًا إلى تأثر الدول الصغيرة بالقرار إذ يمتد عمل المؤسسات التابعة للمنظمة في مناطق كثيرة حول العالم، "وفي النهاية أمريكا لا تعيش في العالم بمفردها، وفي أحيان كثيرة تحتاج إلى الأمم المتحدة لتمرير سياساتها ومبادرتها سواء المتعلقة بإسرائيل أو الحرب الأوكرانية حاليًا".
ولفت الريدي إلى أن "أمريكا سبق وامتنعت عن الانضمام إلى عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى ولاقت وقتها انتقادات كثيرة لذلك لا أعتقد أنه من الممكن تنفيذ هذا التهديد".
وقال الدبلوماسي السابق إن "الدول الصغيرة التي قد تتأثر بالقرار وبالتالي تضررها من انسحاب أمريكا من الأمم المتحدة من الممكن أن ينعكس على المصالح الأمريكية".
وأضاف الريدي أن "تمويل أمريكا منظمة الأمم المتحدة لا يساوي شيئا أمام ما تقدم الأمم المتحدة لأمريكا من خدمات وفرض سياسات".
وفي 4 فبراير الجاري وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا لانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان بسبب "مواقف منحازة"، وأوقف تمويل وكالة الأونروا، التي تقدم مساعدات إنسانية بالغة الأهمية لملايين الأشخاص في غزة التي مزقتها الحرب.
وكذلك دعا ترامب إلى مراجعة مشاركة الولايات المتحدة في اليونسكو، التي تحمي مواقع التراث العالمي، بسبب مزاعم بأنها أظهرت ما أسماه سكرتير موظفي البيت الأبيض، ويل شارف، "تحيزًا معاديًا لأمريكا"، وفي تسليم الأمر إلى ترامب للتوقيع عليه، قال شارف إنه نابع من "التفاوت الشديد ومستويات التمويل بين البلدان المختلفة" التي اعتبرها ترامب "غير عادلة للغاية للولايات المتحدة".
وكانت هذه الخطوات متوقعة لأن ترامب سحب مشاركة الولايات المتحدة في المنظمتين خلال ولايته الأولى، وردًا على الأمر التنفيذي، قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، إن دعم أمريكا للأمم المتحدة عزز الأمن العالمي وأن الأمين العام أنطونيو جوتيريش "يتطلع إلى مواصلة علاقته المثمرة مع ترامب وحكومة أمريكا لتعزيز هذه العلاقة في عالم اليوم المضطرب".