كشف تقرير صادر عن منظمة Access Now وتحالف #KeepItOn تحت عنوان "الجناة يزدادون جرأة، والمجتمعات في خطر: قطع الإنترنت في 2024" عن تصاعد غير مسبوق في عمليات قطع الإنترنت على مستوى العالم، إذ سجل عام 2024 العدد الأكبر من هذه الحالات منذ بدء التوثيق.
وأظهر التقرير أن العام الماضي شهد 296 حالة قطع للإنترنت في 54 دولة، متجاوزًا الرقم القياسي المسجل في عام 2023، الذي بلغ 283 حالة في 39 دولة، مما يعكس توجهًا متزايدًا لاستخدام هذه الممارسة كأداة قمعية تهدد الحقوق الأساسية للأفراد.
وأبرز التقرير أن عدد الدول التي تأثرت بقطع الإنترنت ارتفع بنسبة 35% مقارنة بعام 2022، إذ كانت 40 دولة شهدت عمليات مماثلة في ذلك العام، كما انضمت سبع دول جديدة إلى قائمة الدول التي تلجأ لهذه السياسة القمعية للمرة الأولى، وأشار التقرير إلى أن 47 حالة قطع نشطة استمرت حتى نهاية العام، من بينها 35 حالة تجاوزت مدتها عامًا كاملًا.
النزاعات المسلحة المحرك الرئيسي
للعام الثاني على التوالي، احتلت الحروب والصراعات المسلحة المرتبة الأولى بين الأسباب التي تدفع الحكومات والجهات الفاعلة إلى فرض قيود صارمة على الإنترنت، حيث شهد عام 2024 تطورًا ملحوظًا في الأساليب المستخدمة، بما في ذلك استخدام أجهزة التشويش، وقطع الكابلات، وتدمير البنية التحتية للاتصالات، وتعطيل مزودي الخدمة.
وسجل التقرير 25 حالة قطع عبر الحدود نفذتها ثماني جهات فاعلة، مستهدفة 13 دولة، من أبرزها روسيا في أوكرانيا، وإسرائيل في غزة، والصين وتايلاند في ميانمار، ويشير التقرير إلى أن هذه الممارسات لم تقتصر على الحد من حرية التعبير بل تسببت أيضًا في حرمان المدنيين من وسائل التواصل الأساسية خلال الأزمات.
أكثر الدول قطعًا للإنترنت
وفقًا للتقرير، جاءت ميانمار في صدارة الدول التي فرضت أكبر عدد من حالات قطع الإنترنت، حيث سجلت 85 حالة، تلتها الهند التي لطالما تصدرت هذه القائمة منذ عام 2018، إذ نفذت 84 حالة قطع، وهو العدد الأكبر في أي نظام ديمقراطي.
وشهدت باكستان أيضًا تصاعدًا غير مسبوق في استخدام هذه الأداة، إذ سجلت 21 حالة قطع، وهو الأعلى في تاريخها، أما روسيا، فنفذت 19 حالة قطع، من بينها سبع حالات في أوكرانيا، ضمن سياق الحرب المستمرة هناك.
الشرق الأوسط
رصد التقرير تصاعدًا في عمليات قطع الإنترنت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تم تسجيل 41 حالة قطع في 17 دولة خلال عام 2024، وعلى الرغم من انخفاض العدد الإجمالي للحالات مقارنة بعام 2023، الذي شهد 77 حالة قطع، فإن عدد الدول المتأثرة ارتفع من 15 إلى 17 دولة، مما يعكس تصاعد الإفلات من العقاب في المجال الرقمي داخل المنطقة.
ووفقًا للتقرير، كانت إسرائيل من بين أكثر الدول تنفيذًا لقطع الإنترنت، حيث سجلت 6 حالات قطع في غزة خلال الحرب على القطاع، مما أدى إلى عزل المدنيين تمامًا عن العالم الخارجي، وتعطيل عمل الصحفيين والعاملين في المجال الإنساني.
كما استُخدم قطع الإنترنت خلال الحرب الأهلية في السودان، حيث قامت كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية بفرض أربع حالات قطع على الأقل، مما أدى إلى إعاقة وصول المساعدات الإنسانية وعزل الملايين عن خدمات الطوارئ.
كما رصد التقرير أول قطع للإنترنت مرتبط بالانتخابات في المنطقة منذ عام 2021، عندما فرضت موريتانيا قيودًا على الإنترنت بعد الانتخابات الرئاسية. كذلك، استمرت بعض الحكومات في اللجوء إلى قطع الإنترنت خلال الامتحانات المدرسية، إذ سجلت المنطقة أكبر عدد من الحالات عالميًا، بواقع 10 حالات قطع في 5 دول، هي الجزائر، الأردن، العراق، موريتانيا، وسوريا.
أنماط قطع الإنترنت
تضمن التقرير تحليلًا موسعًا للظروف التي شهدت عمليات قطع الإنترنت، حيث أشار إلى تسجيل 103 حالات مرتبطة بالنزاعات المسلحة في 11 دولة، وهو رقم قياسي جديد، كما تم تسجيل 74 حالة قطع خلال الاحتجاجات السياسية، وهو ما أدى إلى عرقلة قدرة المحتجين على التواصل والتنظيم ونقل المعلومات إلى العالم الخارجي.
وشهدت 16 دولة عمليات قطع الإنترنت خلال فترات الامتحانات المدرسية، في محاولة لمنع الغش، وهو مبرر مرفوض على نطاق واسع دوليًا باعتباره انتهاكًا غير متناسب لحقوق المواطنين الرقمية، كما تم تسجيل 12 حالة قطع خلال الانتخابات، ما أثار مخاوف بشأن نزاهة العمليات الديمقراطية في الدول التي استخدمت هذه الأداة خلال فترات حساسة.
ردود الفعل من المجتمع المدني
على الرغم من تصاعد عمليات قطع الإنترنت، يواصل المجتمع المدني العمل على توثيق الانتهاكات، والضغط من أجل مساءلة الحكومات والشركات المتواطئة، فخلال 2024 ركزت الجهود على مراقبة الانتخابات في 25 دولة لضمان عدم استغلال السلطات لهذه الأداة لقمع الناخبين، كما تم تسليط الضوء على حالات قطع الإنترنت خلال الامتحانات، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث سجلت المنطقة العدد الأكبر من هذه الحالات.
كما أطلق نشطاء حملات واسعة لفضح التأثيرات الإنسانية لقطع الإنترنت، عبر توثيق شهادات الضحايا والمتضررين، بالإضافة إلى دعم تقنيات تجاوز الحجب مثل الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) وأدوات الاتصال البديلة.