تحوّلت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى سباق سياسي لتشكيل حكومات جديدة، وبينما أعلن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، السبت الماضي، أن السودان مُقبل على تشكيل "حكومة تصريف أعمال أو حكومة حرب"، أكد تحالف القوى المدنية المتحدة/قمم، دعم تشكيل حكومة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
وأكد المتحدث باسم "قمم" عثمان عبد الرحمن لـ المنصة أن اللجان الفنية فرغت من كل التفاصيل المتعلقة بصياغة وإعداد الدستور المؤقت للحكومة المرتقبة، في وقت أوضح السياسي السوداني ورئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف الصادق علي حسن لـ المنصة أن حكومة بورتسودان الحالية تحاول اتخاذ خطوات استباقية للتعامل مع وضعية صعبة قد يواجهها السودان حال تشكيل حكومتين متوازيتين، وسط توقعات بألا تلقى الحكومتان الشرعية الشعبية أو الخارجية.
كان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان ألقى خطابًا، السبت الماضي، في ختام مشاورات قوى سياسية محسوبة على الجيش قادتها "الكتلة الديمقراطية" بمدنية بورتسودان، مقر الحكومة، معلنًا أن السودان يقبل على تشكيل "حكومة تصريف أعمال أو حكومة حرب" خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن الغرض من هذه الحكومة إعانة الدولة لإنجاز ما تبقى من الأعمال العسكرية والمتمثلة في تطهير كل السودان من "المتمردين"، في إشارة لقوات الدعم السريع، موضحًا أن الحكومة المقبلة ستكون من الكفاءات الوطنية المستقلة، وأن المرحلة السياسية المقبلة لن تستوعب أي قوى سياسية لا تزال تساند قوات الدعم السريع، التي تخوض حربًا ضد الجيش السوداني، في إشارة لتنسيقية "تقدم".
وتزامن هذا الحراك مع استكمال اللجان المتخصصة لتشكيل الحكومة الموازية، والمكونة من بعض مكونات تحالفي "تقدم" و"قمم"، وعدد من قيادات حزب الأمة القومي ومجموعات أخرى، ولإعداد الدستور المؤقت والميثاق السياسي وبرنامج الحكومة، وذلك خلال الاجتماعات التي جرت الأسابيع الماضية في العاصمة الكينية نيروبي.
حكومة سلام.. أم تناهض الجيش؟
وأعلن المتحدث باسم "قمم" عثمان عبد الرحمن، السبت الماضي، عن خططهم لتوقيع الميثاق السياسي في 17 فبراير/شباط الجاري في كينيا، كخطوة تمهيدية لتشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
ورفض المتحدث باسم قمم في تصريح إلى المنصة وصف "حكومة السلام المرتقبة" بأنها موازية للحكومة التي يقودها الجيش في بورتسودان، معتبرًا أن الأخيرة ليست لديها شرعية من الأساس، وأن حكومتهم المرتقبة ستكون مهمتها "حماية المدنيين وتوفير الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وكهرباء واستخراج أوراق الثبوتية وتوفير المساعدات الإنسانية من خلال التواصل مع الأسرة الدولية وتحييد سلاح الطيران"، على حد قوله.
وأوضح أن نطاق الحكومة الجديدة سيكون في جميع الولايات السودانية "وأي منطقة يتم تحريرها من قبضة الجيش السوداني"، وأن الهدف هو وجود حكومة تعمل على "توحيد السودانيين"، لافتًا إلى أن المكونات السياسية المجتمعة في نيروبي تهدف لتكوين سلطة سيادية بصلاحيات واسعة ومهام محددة، وتكوين مجلس للوزراء، علاوة على الجمعية الوطنية، لتحل محل البرلمان، وتتكون من 150 شخصًا، بتمثيل مقدّر للمرأة والقوى المناهضة للحرب.
ويضم تحالف "قمم" نحو 70 تنظيمًا سياسيًا واجتماعيًا وقّعت على ميثاق التحالف، بينها حركات من الكفاح المسلح التي سبق أن وقّعت اتفاقيات سلام، على رأسها حركة تحرير السودان/القيادة التاريخية، وحركة الإصلاح والتجديد، وحركة تحرير السودان/القيادة الميدانية، بالإضافة إلى عدد من المنظمات المجتمعية.
وانضمت مكونات في تحالف "تقدم"، بقيادة الجبهة الثورية، باستثناء ياسر عرمان، وأحزاب الأمة القومي والاتحادي الموحد، وشخصيات سياسية مثل عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي، إلى مقترح تشكيل الحكومة.
ويُنظر إلى التحالف، الذي أُعلن عنه في سبتمبر/أيلول الماضي، باعتباره "واجهة سياسية لقوات الدعم السريع"، حسب سودان تريبون.
خطوة استباقية
وتقابل خطط "قمم" إعلان البرهان السبت الماضي وضع وثيقة دستورية قبيل تعيين رئيس وزراء الحكومة المقررة، مشددًا على أنه لن يتدخل في مهام رئيس الحكومة أو واجباته، وهو عكس ما سبق وأقدم عليه، ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أجرى البرهان تعديلات على حكومته استبدل بموجبها 4 وزراء من الحكومة بينهم وزيرا الإعلام والخارجية.
وتهدف الخارجية السودانية لحشد أكبر قدر من القوى السياسية في صف تحركات الجيش، وقالت، في بيان الأحد، إن القوى الوطنية المجتمعة في بورتسودان اتفقت على خارطة طريق للإعداد لمرحلة ما بعد الحرب واستئناف العملية السياسية الشاملة التي ستتوج بعقد الانتخابات العامة الحرة والنزيهة، وأنها تتضمن إطلاق حوار وطني شامل لكل القوى السياسية والمجتمعية. وطالبت الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بدعم هذه الخارطة.
وأكد السياسي السوداني ورئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف الصادق علي حسن لـ المنصة أن حكومة بورتسودان الحالية تحاول اتخاذ خطوات استباقية للتعامل مع وضعية صعبة قد يواجهها السودان حال تشكيل حكومتين متوازيتين، وأن خطاب البرهان الأخير "بدا فيه أنه يتحلل من حزب المؤتمر الوطني المنحل وعناصر الحركة الإسلامية التي تشارك معه في الحرب، وهدف لأن يتوجه مباشرة إلى الرأي العام لكي يحصل على تأييد شعبي يدعم خطوات تشكيل حكومة تكنوقراط خلال الأيام المقبلة".
وأضاف أن نجاح البرهان في تحقيق خطته يتطلب الشروع في إجراءات استعادة الحياة الدستورية للبلاد، استنادًا لقواعد تأسيس الدولة السودانية الحديثة بإجراءات التمهيد لتشكيل حكومة مدنية ومجلس سيادة يضم أيضًا مدنيين، على أن يقوم الجيش بحماية البلاد وتكون مهام السلطة التنفيذية مباشرة تدابير التمهيد للفترة الانتقالية.
وأشار إلى أن البرهان قدم خطابًا "أكثر عنفًا هذه المرة للإسلاميين، وهو أمر إيجابي في حال كان يهدف لتأسيس مرحلة انتقالية تستكمل استحقاقات ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام البشير، لكن إذا كان القصد توظيف الوقت ومخاطبة المجتمع الدولي لتحقيق مكاسب فإن هذه المناورة ستعجل برحيله، لأن فلول البشير في الأغلب لن يطمئنوا لنواياه، وقد يدرسون خيارات التخلص منه".
وكان البرهان توعَّد في تصريحاته السبت بإقصاء أنصار نظام الرئيس السابق من السلطة، مؤكدًا أنهم "لن يتمكنوا من العودة إلى الحكم على دماء السودانيين"، ودعا حزب المؤتمر الوطني إلى الابتعاد عن المزايدات السياسية.
الشرعية
من جانبه، قال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي صديق أبو فواز لـ المنصة إن قفز البرهان باتجاه تشكيل حكومة تكنوقراط وتوجيه خطاب سياسي لمختلف القوى السياسية "يشير إلى أننا أمام شخص انتصر في الحرب، وأنها انتهت بالفعل، في حين أن الواقع يشير إلى عكس ذلك".
وأضاف أن "كلتا الحكومتين لن تجد الشرعية الشعبية أو الخارجية التي تساعد على التسويق لإنجازات سياسية".
"خروج الحكومة المحسوبة على الدعم السريع تسبب في انقسام تنسيقية تقدم، فهناك العديد من الأحزاب غير الموالية للجيش ترفض تشكيل حكومة موازية، فيما تصر عليها فصائل أخرى تتمثل في حركات الجبهة الثورية، لكن مقومات نجاحها معدومة بعدما سيطر الجيش على أكثر من 90% من مناطق العاصمة الخرطوم"، حسبما قال أبو فواز.
وأشار إلى أن البرهان كذلك يواجه مشكلات تتعلق بشرعيته منذ أن انقلب على السلطة المدنية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، كما أن عضوية السودان مجمدة في الاتحاد الإفريقي "والوثيقة الدستورية التي يتحدث عن تعديلها جرى الانقضاض عليها مرات عديدة".
وفي رأي أبو فواز، فإن اتجاه الطرفين لتشكيل حكومات جديدة يعود إلى أن المفاوضات بينهما أصبحت قريبة، وفقًا للمتغيرات الدولية ووصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة، وبدا أن هناك رسائل وصلت إليهما ويحاولان الاحتماء بكل الأوراق المتاحة لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة.
واندلعت الحرب في السودان منتصف أبريل/نيسان 2023، وخلّفت عشرات آلاف القتلى، كما أجبرت ما يزيد عن 12 مليون سوداني على النزوح، فضلًا عن تسببها في أكبر أزمة إنسانية تم تسجيلها، حسب لجنة الإنقاذ الدولية.
وكان الاتحاد الإفريقى أعلن الأسبوع الماضي عن موعد انطلاق أعمال قمة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية الـ38 في الفترة من 12 إلى 16 فبراير المقبل في أديس أبابا، ومن المنتظر أن تناقش القمة آخر التطورات في الصراع السوداني.