حساب القوات المسلحة السودانية على إكس
الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمدينة سنجة بعد تحريرها من الدعم السريع، 23 نوفمبر 2024

تقدم سريع للجيش السوداني بالخرطوم.. تنظيم صفوف أم صفقة مع "قوات الدعم"؟

أحمد سليم
منشور الأحد 26 يناير 2025

تقدمت قوات الجيش السوداني في مناطق متفرقة بالعاصمة الخرطوم، بعد أكثر من عام ونصف العام على المعارك الدائرة مع قوات الدعم السريع، التي كانت قد استولت على معظم أنحاء الخرطوم.

هذا التقدم قال عنه اللواء السابق بالجيش السوداني أمين إسماعيل مجذوب إنه جاء بناء على خطة استراتيجية وضعت مع بداية العام الماضي، وفي المقابل أكد سياسي سوداني مقرب من قوات الدعم السريع أن الواضح في تقدمات الجيش الأخيرة أنها جرت دون معارك تذكر.

وقال رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان إن السودان سيكون خاليًا قريبًا من "المتمردين" (في إشارة لقوات الدعم السريع)، مضيفًا أنه لا تفاوض ولا صلح "مع الذين وقفوا مع التمرد"، في إشارة غير مباشرة للقوى السياسية التي لم تؤيد الجيش في معركته الحالية.

وأضاف البرهان، في كلمة لدى زيارته مقر سلاح الإشارة في مدينة بحري بالعاصمة الخرطوم التي وصل إليها اليوم الأحد لأول مرة منذ أغسطس/آب الماضي حينما خرج إلى بورتسودان شرقًا، "هذه الأمة عندها قضية وكلنا قابضون عليها، نحمد الله أننا دافعنا عن الشعب السوداني ونشيل هم الشعب".

وأعلن الجيش السوداني، السبت، سيطرته الكاملة على مصفاة الخرطوم بمنطقة الجيلي، التي تقع على بعد نحو 70 كيلومترًا شمال الخرطوم وتعتبر المصفاة الرئيسية للنفط، وظلت تحت سيطرة الدعم السريع منذ نشوب الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023.

وسبق هذا التقدم فك الجيش الحصار عن مقر قيادته العامة في الخرطوم الذي كانت تفرضه قوات الدعم السريع، بعدما طوقته منذ اندلاع الحرب، كما كسر في اليوم ذاته حصارًا كانت تفرضه الدعم السريع على قاعدة سلاح الإشارة بالخرطوم بحري.

وقال الجيش في بيان "أكملت قواتنا اليوم المرحلة الثانية من عملياتها بالتحام قوات بحري وأم درمان مع قواتنا المرابضة في القيادة العامة".

لكن في المقابل نفت قوات الدعم السريع في بيان تحقيق الجيش أي تقدم، واصفة المعلومات بأنها مجرد "رفع للروح المعنوية" لعناصره.

حرب المدن المغلقة

وقال اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل مجذوب، إن تقدم الجيش السوداني خلال الأسابيع الأخيرة جاء بناء على خطة استراتيجية تم وضعها مع بداية العام الماضي هدفت للانتقال من حالة الكمون والبقاء داخل الألوية العسكرية لصالح الانتشار ومباغتة قوات الدعم السريع،

وأوضح لـ المنصة أن الخطة في البداية واجهت "عثرات عديدة بينها أن الجيش لم تكن لديه القوات البرية القادرة على الانتشار"، لكن عمليات الاستنفار والتحالف مع بعض الحركات المسلحة وبعض المجموعات التي لديها خبرات في حروب العصابات مثل كتيبة البراء، ساعدت في فك الحصار المفروض على قوات الجيش.

وأضاف أن "الجيش ما زال يعتمد على حرب المدن المغلقة التي يدخل فيها عناصر مدججة بالأسلحة للتعامل مع متمردي الدعم السريع لتسهيل مهمة الوصول إلى مقر القيادة العامة ثم الانتقال إلى ما يمكن وصفه بحرب الفضاءات المفتوحة، بمعنى توجيه ضربات قوية لعناصر الدعم السريع في مناطق متفرقة وفي توقيتات زمنية قريبة لشل قدرتها على الحركة وهو ما سيحدث خلال الأيام المقبلة".

وأشار إلى أن التقاء الجيش السوداني مع جيوش المناطق الرئيسية في ولايات العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم وبحري وأم درمان) يشير إلى "القدرة على الانطلاق نحو تحرير المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع".

وذكر أن الجيش سيكون أمام "معارك ضارية" في العاصمة الخرطوم لاستكمال تحرير كل ما تبقى من جيوب لقوات الدعم السريع، واستعادة مناطق مطار الخرطوم، والوزارات السياسية لتسهيل مهمة عودتها مرة أخرى خلال الشهرين المقبلين، والتحرك إلى مناطق شرق النيل التي ما زالت تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

وكانت قوات الدعم السريع استولت على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم، لكنها لم تستطع السيطرة على عدد من المواقع العسكرية، منها مقر القيادة العامة للجيش، ومقرات قيادة سلاح المدرعات، وسلاح الإشارة، وسلاح المهندسين، ومنطقة كرري العسكرية في مدينة أم درمان، ومناطق عسكرية أخرى متفرقة، وخاضت معارك عدة للاستيلاء عليها دون جدوى، لكنها نجحت في حصارها، بحيث أصبحت جزرًا معزولة بعضها عن بعض طوال أشهر الحرب.

وجاءت أولى عمليات الربط بين معسكرات الجيش عبر وصول قوات الجيش المقبلة من منطقة كرري العسكرية إلى "سلاح المهندسين" في جنوب شرق أم درمان في فبراير/شباط الماضي.

وبدأت معارك استرداد سيطرة الجيش على مدينة بحري بعبور قوات الجيش جسر "الحلفايا" الرابط بين شمال مدينة بحري وشمال مدينة أم درمان، في 26 سبتمبر/أيلول الماضي؛ حيث سيطر الجيش على عدة مناطق كانت خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، بما في ذلك منطقة الحلفايا، ثم تقدّم الجيش باتجاه الجنوب حيث مركز المدينة ومقر قيادة سلاح الإشارة.

وتأتي التطورات العسكرية الأخيرة بعد نحو أسبوعين على استعادة الجيش مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة والتي تعتبر موقعًا زراعيًا حيويًا وسط السودان.

اتفاق سياسي

وفي المقابل أكد سياسي سوداني مقرب من قوات الدعم السريع، طلب عدم نشر اسمه، أن الواضح في تقدمات الجيش الأخيرة أنها جرت دون معارك تذكر ولم يشاهد أحد مخلفات الاشتباكات أو جثث القتلى ولم يعلن أي منها عن وجود قتلى، كما أن قوات الدعم تلجأ إلى الانسحابات السريعة دون اشتباكات بل إنها تسلم الأسرى الذين كانوا لديها لقوات الجيش دون أن تقتلهم أو تصطحبهم معها، ما "يشير لوجود اتفاق سياسي في الخفاء قد يكون ضمن بنوده تقاسم المناطق بين الطرفين".

وأضاف المصدر لـ المنصة "يبدو أن قوات الدعم اكتفت بالسيطرة على المناطق التي لديها فيها حاضنة اجتماعية تسهل لها مهمة البقاء وتشكيل إدارة محلية تعزز تواجدها فيها، وتحديدًا كردفان وإقليم دارفور، وأنها اتجهت للانسحاب من ولايتي الجزيرة والخرطوم بعد أن وجدت من المستحيل تحمل الكلفة السياسية والعسكرية بوجودها في هذه المناطق الشاسعة والتي لا تشكل لها أهمية استراتيجية بعكس إقليم دارفور الغني بالمعادن والذهب".

وبعد التقدم العسكري الأخير للجيش السوداني ما زالت قوات الدعم السريع تسيطر على جزء كبير من إقليم دارفور في غرب البلاد ويمتد وجودها ليشمل أربع ولايات، وأجزاء من جنوب كردفان، بينما عزز الجيش سيطرته في الشمال والشرق بعدما سيطر قبل نحو عام على أم درمان الواقعة على الضفة الغربية للنيل.

وقد خلفت الحرب في السودان أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية. وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الأزمة بما يجنب السودان كارثة إنسانية.