يشارك وفد ممثل لحكومة أفغانستان للمرة الأولى في مفاوضات مؤتمر الأطراف باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP 29، المنعقد حاليًا في أذربيجان.
وتشارك حكومة طالبان في المؤتمر للمرة الأولى منذ توليها السلطة في 2021، بصفة "ضيف"، بموجب دعوة من الدولة المضيفة أذربيجان، بينما لم يتم دعوة الحكومة الأفغانية بشكل رسمي، إذ لا تحظى طالبان باعتراف معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حتى الآن.
وهذه الخطوة تأتي محاولة لكسر حالة الجمود في علاقة أفغانستان مع المجتمع الدولي، لا سيما وأنها تعد دولة هشة أمام الكوارث المناخية، حيث تحتل أفغانستان المرتبة السادسة بين البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ، والرابعة من حيث مخاطر الكوارث الإجمالية في عام 2023، حسب مؤشر أنفورم إندكس التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وحسب تقرير الاستعداد والاستجابة الوطنية للكوارث، أودت الفيضانات في أفغانستان بحياة ما يزيد عن 800 شخص خلال العام الماضي فقط. مُتسببة في خسائر اقتصادية تصل إلى 400 مليون دولار وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وهناك مساعٍ تجري حاليًا من جانب الأمم المتحدة لإعادة التمويل المناخي لأفغانستان، حسبما أفادت وكالة رويترز نقلًا عن مسؤولين أمميين، وتعمل وكالات تابعة للأمم المتحدة من بينها منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على إعداد مقترحات أولية لمشروعاتٍ مناخية بقيمة 19 مليون دولار من أجل تقديمها العام المقبل. لكن هذه الخطوات ما زالت ضئيلةً للغاية مقارنة بالاحتياجات الفعلية للبلاد، حسبما يرى مراقبون.
ويقود المباحثات وفد من حكومة طالبان، ممثلًا في 3 مسؤولين من الوكالة الوطنية لحماية البيئة في أفغانستان، ويوضح مدير التغير المناخي في الوكالة روح الله أمين أن هذه المشاركة، حتى وإن جاءت بصفة غير رسمية، تمثل أهمية كبيرة لبلاده "نسعى لاستغلال هذه الفرصة في إجراء لقاءات مكثفة مع أصحاب المصلحة، من الهيئات الأممية والمانحين والجهات التمويلية الفاعلة، للتفاوض والوصول إلى أرضية مشتركة يمكن البناء عليها فيما يتعلق بملف التمويل".
ويلفت أمين، في حديث لـ المنصة، إلى أن الوضع البيئي الحرج الذي تعيشه أفغانستان بسبب هشاشتها تجاه التغيرات المناخية مرشح للزيادة "فخلال السنوات الستة عشر الماضية، ارتفعت درجات الحرارة في أفغانستان 1.8 درجة مئوية، رغم أننا ليس لدينا أي دور يُذكر في الأزمة، فإجمالي الانبعاثات الكربونية لأفغانستان لا يتجاوز 0.08%، إلا أننا معرضون بشكل هائل لمخاطرها المتفاقمة".
"لا يُمكن إغفال العدالة المناخية للشعب الأفغاني، وهذا ما نُطالب به من خلال سعينا لإعادة التمويلات التي توقّفت بسبب الأزمة السياسية خلال السنوات الثلاث الماضية، هذه الأزمة عطّلت 28 مشروعًا مناخيًا، بعد تجميد ما يقرب من 800 مليون دولار للمشروعات التي كنا قد حصلنا عليها بالفعل، من خلال صناديق التمويل متعددة الأطراف، من بينها صندوق المناخ الأخضر ومرفق البيئة العالمية".
ولم تسمح الأمم المتحدة لطالبان بتولي مقعد أفغانستان في الجمعية العامة ولا تعترف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة رسميًا بحكومة أفغانستان، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى القيود التي فرضتها طالبان على تعليم النساء وحرية التنقل، حسب العربية.
أما الناشط المناخي الأفغاني عبد الهادي أتشاكزاي فقال لـ المنصة إن استبعاد بلاده من آليات تمويل المناخ العالمية "يعوق قدرتها على تنفيذ استراتيجيات فعالة للتكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره"، مضيفًا "العقوبات الاقتصادية المستمرة تجعل من الصعب على أفغانستان المشاركة في المفاوضات البيئية بشكل فاعل، وهذا ما نُندد به، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يحكم على شعب بأكمله لاعتباراتٍ سياسية، يتخذها ذريعةً لحجب التمويل عن أفغانستان".
موجات الجفاف والفيضانات التي تتعرض لها أفغانستان، تُجبر عشرات الآلاف من الأسر على النزوح من مناطقهم بحثًا عن المأوى والمياه النظيفة، ويُمثل الأطفال الحلقة الأضعف، مع زيادة معدلات سوء التغذية وتفشي الأمراض المنقولة بالمياه بشكلٍ غير مسبوق، وفق يونيسيف، بينما تُحذر هيئة إنقاذ الطفولة من خطورة أزمة النزوح على الأطفال في أفغانستان، حيث جاءت أعداد الأطفال المشردين بسبب الكوارث المناخية هناك حتى نهاية عام 2023، أعلى من مثيلاتها في دول العالم الأخرى.
مواجهة هذا الوضع المُعقد يتطلب حلولًا غير تقليدية، كما يرى الناشط البيئي سيد شُعيب سادات، الذي يرأس إحدى المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال البيئي بأفغانستان، فلا يُمكن سد الفجوة الهائلة في احتياجات التكيّف، بغير نزع الديناميكيات السياسية عن التمويل المناخي، وتجاوز الطريق التقليدي للتمويلات الرسمية،
يحمل شُعيب مسؤوليةً كبيرةً تجاه بلاده، كما يقول لـ المنصة إذا سنحت له الفرصة للمشاركة في مؤتمر الأطراف، لإيصال أصوات المجتمعات الأفغانية غير المسموعة، حيث أجرى خلال العام الماضي العديد من المشاورات واللقاءات مع مختلف أطياف المجتمع بما فيهم الشباب والنساء، للخروج بتوصياتٍ من أجل إيصالها لصُناع القرار والمؤسسات الدولية الفاعلة.
ويُشدد مسؤول الاتصال ببعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان ستيفين سميث على أهمية إشراك أفغانستان في المحادثات المناخية الرئيسية، وتسهيل وصولها إلى مصادر التمويل المناخي، باعتبارها ضحية مباشرة لهذه الأزمة.
وأوضح لـ المنصة أن القيود التي تمنع تحقيق ذلك في الوقت الراهن تدور حول عدم الاعتراف الرسمي بالسلطة الحاكمة، داخل منظومة الأمم المتحدة، وهذا القرار لا يقع على عاتق الأمانة العامة، بل يأتي من لجنة أوراق الاعتماد التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبسبب ذلك هناك حاجز يحول دون توجيه المساعدات المباشرة، بما في ذلك تمويل المناخ، إلى المؤسسات الأفغانية.
وبدأ الغزو الأمريكي على أفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول 2001 واستمر حتى انسحاب القوات الأمريكية من البلاد عام 2021. وكان هدفه "مكافحة الإرهاب"، وفق تصريح الرئيس الأمريكي حينها جورج دبليو بوش، وأدى إلى سقوط آلاف الضحايا المدنيين والعسكريين، وخسرت الولايات المتحدة أموالًا طائلة وقتلى من صفوف جيشها وجيوش الدول المساندة، وكانت أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة في تاريخها، وعقب انسحابها عادت طالبان للحكم.