انتقد خبيران أثريان منظومة التأمين الحالية للآثار التي سمحت بالأعمال التخريبية التي تعرضت له مقبرة مريروكا بسقارة، في وقت أكد مصدر مسؤول في منطقة آثار سقارة لـ المنصة، طالبًا عدم نشر اسمه، نقل 5 مفتشين أثريين مسؤولين عن منطقة سقارة بالإضافة إلى اثنين من مسؤولي أمن المقبرة إلى خارج المنطقة، على خلفية الواقعة.
وعلى مدار الساعات الماضية، انتشرت صور على السوشيال ميديا تُظهر أحد حوائط مقبرة مريروكا من الداخل، وعليها خطوط بيضاء غائرة، فيما يبدو أنها عملية تخريبية للأثر، ولم يستدل على مرتكبها.
وأرجعت وزارة السياحة والآثار هذه الخطوط إلى "قيام أحد الزوار بالكتابة عليه"، لافتة في بيان إلى أن "الأثريين رمموا الجدار وأزالوا الخطوط، ليعود إلى حالته الأصلية".
وأضافت الوزارة أن الجهات المعنية تُجري حاليًا تحقيقاتٍ لمعرفة هوية الشخص الذي كتب على جدار مقبرة مريروكا، ومُعاقبته بموجب قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، وتحديدًا المادة 45.
وتنص المادة 45 بأن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من وضع على الأثر إعلانات أو لوحات للدعاية، أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر، أو شوه أو أتلف بطريق الخطأ أثرًا عقاريًا أو منقولًا أو فصل جزءًا منه، أو استولى على أنقاض أو رمال أو مواد أخرى من موقع أثري أو أراضٍ أثرية دون ترخيص من المجلس".
ويحكم في جميع الأحوال بإلزام الجاني بتكاليف رد الشيء لأصله، والتعويض الذي تقدره المحكمة، حسب القانون.
ندرة الحراسة
من جهته، يرى مفتش الآثار السابق بمنطقة سقارة الدكتور عزمي سلامة أن أحد أبرز أسباب تعرض المناطق الأثرية لعمليات تخريب يعود بالأساس إلى ندرة الحراسة المخصصة لتأمين المعالم الأثرية داخل منطقة سقارة، لافتًا إلى أن حارس مقبرة مريروكا على سبيل المثال مسؤول عن حراسة عدد من المقابر الأخرى أيضًا، مما يضعه تحت ضغط كبير يستحيل معه رعاية كل المناطق الموكل به حراستها.
وقال سلامة، الذي يعمل حاليًا مرشدًا سياحيًا، لـ المنصة، إن أحد أسباب تعرض الآثار لعمليات تخريب يعود إلى غياب تغطية المناطق الأثرية بكاميرات المراقبة، مما يفقد المنطقة أحد أهم عناصر التأمين، لكن يستدرك "على أهمية هذا العنصر لكن في الحقيقة يبدو أنه مكلف للغاية ويكاد يكون أقرب للحلم نظرًا لاتساع المناطق الأثرية في مصر بأكملها.
واقعة مقبرة مريروكا ليست الأولى من نوعها هذا العام، ففي أغسطس/آب الماضي، وجهت وزارة السياحة والآثار بالتحقيق في واقعة تداول فيديو يُظهر إحدى السائحات وهي مُمسكة بفرشاة ويصورها كأنها تشارك في أعمال ترميم أحد المناظر الجدارية بمعبد الأقصر، بمساعدة أحد العمالة الفنية الموجودة بالمعبد.
وفي 2013، حققت الوزارة في واقعة تسجيل سائح صيني اسمه على إحدى الجداريات المنحوتة بالنحت الغائر والموجودة بأحد جدران معبد الأقصر، التي تجسد الإسكندر الأكبر في وضع الوقوف.
نماذج بديلة
واقترح مدير عام أهرامات الجيزة السابق ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية حاليًا الدكتور حسين عبد البصير، لـ المنصة، أنه "إلى جانب عمليات التأمين التقليدية مثل كاميرات المراقبة والحراسة، يمكن الاستعانة بنماذج بديلة تحاكي الأصل، مثل كهف ألتاميرا في إسبانيا، وكهف لاسكو في فرنسا، وبهذا يمكن حفظ الأثر الأصلي بعيدًا عن التعرض للجمهور واحتمالية أن يطوله أذى".
لكنه في الوقت نفسه انتقد الحلول التي يطرحها البعض على السوشيال ميديا، مثل تغطية جدران مقبرة مريوركا وغيرها من الآثار بعازل زجاجي، موضحًا أن هذا الطرح غير علمي؛ نظرًا لحاجة الأثر لأن يتنفس، كونه مصنوعًا من الحجر الجيري.
فيما يعول المرشد السياحي عزمي سلامة على "عنصر الوعي"، قائلًا "هو الحل الأكثر منطقية، إذ يجب الاهتمام بتوعية طلاب المدارس تحديدًا ممن يزورون المناطق الأثرية، ويمكن أن يحدث هذا الأمر بتنسيق دائم بين وزارتي التربية والتعليم والسياحة والآثار لتوفير أثريين يقومون بتوعية الطلاب أثناء الزيارة".
وأضاف أنه من واقع وظيفته السابقة مفتش آثار في المنطقة، ومعايشته لبيئة العمل في منطقة سقارة فإن المنطقة تعاني نقصًا بالغًا في عدد مفتشي الآثار، مشددًا على أن نقل أي منهم على ضوء الواقعة الأخيرة "يزيد الطين بلة"، وأن التصرف الصائب يكمن في البحث عن حلولٍ جذرية تحمي الآثار الموجودة بالمنطقة.
تجدر الإشارة إلى أن مريروكا يعدّ الرجل الأول بعد الملك تتي أول ملوك الأسرة السادسة، في مصر القديمة، وأصبح وزيرًا بارزًا بعد زواجه من الأميرة وعتت غت حور "سششيت" ابنة الملك، واشتهر وزير الملك تتي بمقبرته الضخمة في جبانة منف، التي تعد من أكبر مقابر الموظفين في تاريخ مصر القديمة، حسب الدكتور عزمي سلامة.
وأوضح سلامة أن المقبرة تضم حوالي 31 غرفة تزخر بمناظر فائقة الجمال تجسد حياة مريروكا وزوجته وعتت غت حور التي ظهرت معه في المقبرة أكثر من 50 مرة، بالإضافة إلى ابنهما المدلل مري تتي.
وتظهر على جدران المقبرة مناظر جنائزية، ومشاهد الصيد، ومراكب تبحر في أحراش الدلتا، بالإضافة إلى جنازة مريروكا.