في الوقت الذي لم يذكر بيان النيابة العامة وقوع وفيات أو ينفيها صراحة بـعبارة "دون وقوع وفيات"، بشأن الحريق الضخم الذي اندلع في مقر مديرية أمن الإسماعيلية، فجر اليوم، روى شهود عيان تفاصيل الحريق الذي انتشر في المبنى برمته خلال دقائق، مشيرين إلى أن بعض العساكر الناجين ردووا "أصحابنا ماتوا".
واندلع حريق ضخم في مقر مديرية أمن محافظة الإسماعيلية، فجر اليوم، فيما أظهرت مقاطع فيديو انتشرت على السوشيال ميديا ألسنة اللهب تتصاعد من المبنى، والذي بدا تدمير جزء كبير منه، ورفعت محافظة الإسماعيلية حالة الطوارئ في المستشفيات لاستقبال المصابين.
من جهته، رجح مصدر داخل مديرية أمن الإسماعيلية، فضل عدم ذكر اسمه، في حديثه لـ المنصة أن الحريق "بدأ في الطابق الثالث، وانتشر بالمبنى كله قبل أن تسيطر قوات الحماية المدنية عليه"، فيما تشهد مستشفى الإسماعيلية العام تأمينًا مشددًا، واستمعت النيابة إلى أقوال ثلاثة وثلاثين مصابًا.
المصدر الذي كان موجودًا في المبنى وقت الحريق، أكد أن جهود الإسعاف والحماية المدنية عملت على "إخلاء جميع من كانوا بالمبنى وقت الحريق"، رافضًا الإجابة عن سؤال بشأن هويتهم، وما إذا كانوا من أفراد اﻷمن أو المحتجزين.
الفرار من الجحيم
من جهته، قال شاهد عيان من سكان منطقة ميدان شامبليون الواقع خلف مبنى المديرية، فضل عدم ذكر اسمه، إن "الوضع كان صعبًا، النار كانت تحاوط المبنى من كل اتجاه، وحرارتها تصل إلينا في الميدان، لم يستطع أحد من السكان العودة للنوم، كنا خائفين على حياتنا".
وأضاف لـ المنصة أنه رأى أشخاصًا يحاولون الهرب من النيران عبر النزول على أعمدة حديدية على واجهة المبنى، ما بين الأدوار السادس وحتى التاسع، ومنهم من استطاع الخروج. لكنه لم يستطع تحديد عددهم أو مصيرهم، وما إذا كانوا وصلوا إلى الطابق الأرضي أم لا.
وقال "رأينا شخصًا يحاول الاستغاثة من شباك بالطابق الأخير، عن طريق إنارة كشاف هاتف محمول والتلويح به، ولكنه اختفى بعد فترة ولا نعرف مصيره".
رواية شاهد العيان تتوافق مع حديث عمر أحمد خليفة، المقيم بشارع عرايشية مصر، الذي يبعد عن مديرية أمن الإسماعيلية بخمس شوارع، "العساكر كانت بترمي نفسها من أدوار مرتفعة، وتانيين نزلوا على مواسير الحديد، والحديد كان شديد السخونة، لدرجة بعضهم وصل وإيدهم سايحة"، على حد قوله.
ولفت خليفة إلى أن أمام المديرية كوبري وترعه محمد علي، وأثناء الحريق كانت العساكر تجلس على الأرض بدون أحذية وسط بكاء "هستيري" قائلين "أصحابنا فوق أصحابنا ماتوا"، حاملين أجهزة اللاسلكي الذي قال أنه كان لا يتردد عليه سوى جمله "أنا الظابط الفلاني ولسه عايش حد يلحقني" مع صريخ شديد.
وتابع خليفة أن بعض اﻷهالي تجمعوا أمام المديرية وسألوا عن المحتجزين، فأجاب العساكر "لم يخرج أحد". وهي رواية تتقاطع مع ما نشرته سكاي نيوز عربية نقلًا عن شهود عيان بـ"استخراج عدد من الوفيات".
على الصعيد ذاته، كشف مصدر قانوني من الإسماعيلية أن المديرية تشمل أماكن احتجاز في اﻷدوار الثالث والسادس والسابع، في المبنى المكون من 10 أدوار، مشيرًا إلى أن الطابق السابع يضم غالبًا محتجزي الأمن الوطني.
ومن جهته، يروي المهندس عمرو إبراهيم أنه استيقظ في الخامسة والنصف من فجر اليوم، مبكرًا عن موعده المعتاد بسبب أبواق سيارات إطفاء وإسعاف متسارعة، في محاولة للسيطرة على الحريق، مضيفًا لـ المنصة، أن أصوات السيارات ارتفعت بشكل مفاجئ وقت الفجر، "طلعت البلكونة أشوف اللي بيحصل، لقيت مبنى مديرية الأمن مولع كله، والنار تقريبًا في كل الشبابيك".
يسكن عمرو، وهو في الثلاثين من عمره، في مبنى مطل على ميدان شامبليون، والذي يطل بدوره على الواجهة الخلفية لمديرية أمن الإسماعيلية، ما يمكنه من رؤية المبنى كاملًا "المشهد كان مرعبًا والدخان يملأ السماء"، على حد قوله.
أما هشام إسماعيل، المقيم بشارع المحطة الجديدة، فأعاد التأكيد لـ المنصة أن العساكر قفزت من على المواسير وشبابيك الغرف.
وشددت قوات الأمن من إجراءات تأمين مستشفى الإسماعيلية العام، أثناء نقل المصابين إليه. وتروي شاهدة العيان شادية زيدان، التي تبلغ من العمر ستين عامًا وعلى المعاش حاليًا، "التأمين كان زيادة وشادين أوي".
شادية، التي تتردد على المستشفى للعلاج، قالت لـ المنصة "لما الشرطة عرفت إن عندي جلسة كيماوي دخلوني، لكن في العموم الشرطة في كل حتة والمستشفى متقفلة مش زي العادة".
وحاولت المنصة التواصل مع أي من قيادات الصحة في المحافظة، لكن أحدًا لم يرد.
ويُعد مبنى مديرية أمن الإسماعيلية من المباني التاريخية، وشهد أحداث معركة الشرطة في 25 يناير/كانون الثاني 1952، الذي اتخذته الشرطة المصرية عيدًا لها، وأنشئ داخله متحف لعرض مقتنيات الضباط المشاركين في المعركة وصور من أحداثها. وأعيد افتتاح المبنى أكثر من مرة بعد تطويره وتأمينه، خاصة بعد يناير 2011.
ولم تتأثر مباني مديرية الإسكان ومتحف هيئة قناة السويس المجاورين لمبنى المديرية، إذ نجحت سيارات إطفاء الحماية المدنية بالإسماعيلية، وسيارات إطفاء من محافظات القاهرة والشرقية وبورسعيد، ومرفق إطفاء قناة السويس، والجيش الثاني الميداني، في السيطرة على الحريق في واجهة المبنى قبل أن يمتد إلى المباني المجاورة.
وبحسب مواقع محلية، دفعت قوات الحماية بـ 20 سيارة إطفاء إضافة للاستعانة بطائرة هليكوبتر.
من جهته، تفقد وزير الداخلية اللواء محمود توفيق موقع الحادث، ووجه بتقديم الرعاية للمصابين، وتشكيل لجنة من الاستشاريين للوقوف على أسباب الحريق فضلاً عن مراجعة السلامة الإنشائية للمبنى لاستعادة كفاءته في أقرب وقت.
ولم تشر الوزارة في بيانها إلى وقوع أي وفيات، سواء في صفوف الضباط والعساكر وأفراد اﻷمن أو بين المحتجزين.
وبحسب بيان لوزارة الصحة، رُفعت حالة الاستعداد بمستشفيات الإسماعيلية لدرجة الطوارئ، وتم الدفع بـ50 سيارة إسعاف لموقع الحريق.
وأوضح البيان أن سيارات الإسعاف قدمت خدماتها لـ12 مصابًا، وانصرفوا من موقع الحادث، فيما تم نقل 26 حالة إلى المجمع الطبي بالإسماعيلية، منهم 24 حالة اختناق وحالتا حروق، وخرج 7 مصابين بعد تلقي الخدمة وتحسن حالتهم الصحية.
على صعيد متصل، أعلنت النيابة العامة أن معاينة مبنى مديرية اﻷمن أسفرت عن تفحمٍ بكامل المبنى، وتصاعد ألسنة اللهب من طوابقه العُليا، فيما اضطلع ثلاثة عشر عضوًا من أعضاء النيابة بسؤال ثلاثة وثلاثين مصابًا، تسعة وعشرين منهم بالمجمع الطبي بالإسماعيلية، والأربعة الآخرين بمستشفى هيئة قناة السويس، وجارٍ استكمال التحقيقات.