
قد يكون من المغري أن نحتفل. لكننا لا نرى في إطلاق المنصة بالإنجليزية انتصارًا، بل ضرورة.
لعقود مضت وولّت، نادرًا ما عانت مصر من قلة الظهور في الصحافة العالمية. كثُرت التحليلات وأوراق مراكز الأبحاث، وسافر المراسلون جيئة وذهابًا بثقة مذهلة. ثم خَفَت كل هذا الضجيج، وبقيت القصة المصرية، في جزء كبير منها، مجهولة.
نحن لا نغير اللغة. فالإنجليزية اليوم لغة مشتركة للاحتجاج الجماعي بقدر ما هي لغة للهيمنة. ولأننا نريد التواصل مع العالم، ولأننا نستحق أكثر من مجرد حواشي في تقارير الآخرين، فإننا نُوسّع دائرة المشاركة في الحديث.
نجد أنفسنا في لحظة تمزق عميق ليس فقط في مصر، بل في المنطقة بأسرها. لقد تلاشت الأوهام: المعجزة الاقتصادية، وأسطورة الاستقرار، والمنقذون النبلاء بأزيائهم العسكرية. ما تبقَّى هو التضخم الذي يلتهم الأجور، والصمت الذي يخنق الحياة العامة، وشعور عام جماعي مؤلم بالإرهاق.
ومع ذلك، وكما يحدث دائمًا، ينبض الجمهور تحت السطح. يتخفّى لكنه لا يستسلم؛ ينحت الشباب مساحات للمقاومة والإبتكار، يطالب العمال بالكرامة، يرفض الفنانون المحو. ينجو الفقراء -ببراعة وإصرار- في ظل نظام يُجوعهم ويُسكتهم وينساهم، ولا يتذكرهم إلا عندما يثورون.
كل هذا يتطلب توثيقًا. بلغة عالمية، نعم، ولكن دون أن تفقد روح الشارع المصري.
لا نقترح "التحدث باسم مصر". لا أحد بإمكانه الزعم بذلك. لكننا سنتحدث منها بصدق ودقة، وبقدر لا بأس به من الإزعاج لمن يفضلون الصمت.
ولكن لماذا الآن؟
لعل السؤال الأنسب هو: لماذا استغرقنا كل هذا الوقت؟
على مدى تسع سنوات، قدمت المنصة تقاريرها بالعربية عن مصر والمنطقة، رصدنا كيف تترك صراعات القوى العالمية بصماتها على كليهما. قدمنا تغطية بلا خوف، وقلنا الحقيقة في أوقات صعبة، وتحدينا الحجب، ودافعنا عن حقنا في الاستمرار في الصدور، وعن حق الجمهور في المعرفة.
لا نعدكم بالحياد بل بالمهنية. لسنا بمنأى عن هذه المعركة
الآن، حان الوقت لحمل رسالتنا ذاتها إلى قراء اللغة الإنجليزية. نحن لا نعيد صياغة هويتنا، بل نوسِّع جمهورنا. نوسِّع نطاق وصولنا. نوسِّع مسؤولياتنا. وهذا يشمل الشباب المصريين الذين يجدون أنفسهم منفصلين عن الأخبار العربية - ليس بالضرورة بسبب امتيازاتهم الطبقية كما يفترض الكثيرون.
تُظهر استطلاعاتنا أن العديد من طلاب مدارس اللغات يتفاعلون مع الأخبار، إذا تفاعلوا معها أصلًا، بالإنجليزية. بالإضافة إلى ذلك، يتنقل الجيلان الثاني والثالث من المصريين في الشتات بين هويات معقدة مع الحفاظ على تواصلهم مع البلد الذي شكل هويتهم الأصلية. مع هؤلاء وأولئك نتواصل اليوم، ومعهم بقية المهتمين حول العالم، الذين يسعون إلى رؤية أعمق وأكثر صدقًا لمصر والمنطقة مما تقدمه النشرات الرسمية والعناوين الرئيسية العابرة.
لا نعدكم بالحياد بل بالمهنية. لسنا بمنأى عن هذه المعركة. نحن نخوضها، نشمر عن سواعدنا، نبحث عن الوضوح وسط أكوام العبارات المطاطة والاستعراضات. ما نقدمه هو النزاهة في وسط مُضلل، وذاكرةٌ حيث يهندسون النسيان بعناية، والتزامٌ بالتعمق. وفوق كل شيء، نقاوم تسطيح الحالة المصرية إلى مجرد أرقام وتصريحات رسمية - مُجردة من نسيج الحياة اليومية ومنفصلة عن إيقاعها.
لن تتفقوا معنا دائمًا. ونأمل ألَّا تفعلوا ذلك. لكننا نأمل أن تقرؤونا بالجدية التي نسعى جاهدين لإضفائها على عملنا.
هذا ليس إطلاقًا لصفحة مترجمة. إنه إعلان: أن للمصريين الحق ليس فقط في التحدث، بل في أن يُستمع إليهم. بالعربية، وبالإنجليزية، وبأي لغة نختارها.
هذا من أجل الحديث الذي بدأناه قبل تسع سنوات. الذي يمتد الآن ليشمل جمهورًا أوسع، نعده بالسعي الدائم كي نبقيه مطلعًا، وبالتأمل معًا في أحوالنا، للمساعدة في تشكيل المستقبل الذي نتشاركه جميعًا.
هذا، لأن الحوار يجب أن يستمر.
مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.