حساب hussien gamal، فيسبوك
تكدس وزحام في أول أيام التشغيل التجريبي لمشروع تطوير الخدمات بالأهرامات، 8 أبريل 2025

موقعة الأهرامات.. مصر وإيجيبت في مواجهة كيميت

منشور الأربعاء 23 أبريل 2025

لم يمر اليوم الأول للتشغيل التجريبي لمشروع تطوير هضبة أهرامات الجيزة، في الثامن من أبريل/نيسان الحالي، كما كان مخططًا له، فقبيل الافتتاح انتشر عددٌ من الفيديوهات عن التغييرات "العظيمة" في إدارة وتشغيل المنطقة.

أحد أوتوبيسات شركة أوراسكوم بيراميدز المخصصة لنقل الزوار بين مختلف المواقع بمنطقة هضبة الأهرامات بعد تطويرها، 13 أبريل 2025

شملت التغييرات غلق المدخل القديم من جهة فندق مينا هاوس التاريخي، والاعتماد على المدخل الجديد للزوار على طريق القاهرة الفيوم، وتخصيص منطقة لأصحاب الخيول والجمال، ومنعهم من التجول الحر في الهضبة كما كانت عليه الحال قبل التطوير، وهذه التفصيلة الأخيرة هي التي فجرِّت غضبهم وعكرت صفو المشهد العام.

يشتمل المدخل الجديد على ساحة انتظار تتسع إلى 1200 سيارة وأوتوبيس تقريبًا. كما وفرت شركة أوراسكوم بيراميدز، المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس نحو 45 أوتوبيسًا كهربائيًا لنقل الزوار بين مختلف المواقع في منطقة الأهرامات.

التطوير الذي حوّل الزيارة إلى تجربة "استثنائية" يشرحه بالتفصيل رئيس المجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل، في فيديو بثه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء على مختلف منصاته.

عدد الفيديوهات الصادرة من صانعي المحتوي والموجودة على صفحات فيسبوك مثالًا إيجيبتوس وأيضًا تيكتوك، يدعو للتساؤل عن كيفية معرفة كل هؤلاء بميعاد افتتاح المشروع؟ وما الذي يجنونه من الدعاية له على حساباتهم وصفحاتهم؟

بالتوازي انتشرت فيديوهات اعتراض الخيالة والهجانة على المشروع الجديد، وقرارهم قطع طريق الأوتوبيس الكهربائي في أول أيام الافتتاح التجريبي، وهو ما تسبب في وقف تشغيل الأوتوبيسات واضطرار شركة أوراسكوم بيراميدز وهي المسؤولة عن إدارة المشروع لتغيير خط السير. في اليوم نفسه ليلًا، أصدرت الشركة بيانًا للتوضيح، اتهمت فيه الحكومة بالتقصير.

تعود فكرة تطوير هضبة الأهرامات إلى وقت ما بين عامي 2006 و2007، حين كلف المجلس الأعلى للآثار برئاسة زاهي حواس المعماري الراحل طارق أبو النجا أستاذ العمارة والتصميم بالجامعة الأمريكية ورئيس ومؤسس ستوديو نجا للعمارة، بإعادة تصميم هضبة الأهرامات ومركز الزوار.

مخطط تطوير منطقة هضبة الأهرامات ومركز الزوار في الجيزة، 2009

لاحقًا في 2008، جرى سحب المشروع من أبو النجا وإسناده إلى مركز طارق والي - العمارة والتراث، الذي شرع بالفعل في تصميم مركز الزوار والمبنى الملحق به، ورسم مسار الزيارة، لكن العمل توقف باندلاع شرارة ثورة يناير.

وفق بيانات رسمية، فإن تكلفة تطوير الهضبة تصل إلى 336 مليون جنيه مصري؛ أعرف الكثير عن المشروع وكواليسه بسبب عملي سابقًا مهندسة وباحثة معمارية بمركز طارق والي في السنوات من فبراير 2009 وحتى يناير/كانون الثاني 2013.

وكنت أتوقع مع زملائي في فريق العمل وقتها أن مشاحنات وصدامات ستحدث بين أهالي نزلة السمان والباعة النشطين في منطقة الأهرامات من جهة، والحكومة والقائمين على أعمال المشروع من جهة أخرى.

وقتها كتبت مقالًا في مطبوعة تصدر عن المركز أعبر فيه عن الصراع بين التاريخ والمجتمع، وكان المقال مستلهمًا من زيارة للأهرامات رأيت خلالها فتاة مراهقة تجري بفزع ورعب وتلقي بجسدها أمام سيارة شرطة السياحة مستجدية مساعدتهم لها وإنقاذها من رجل ضخم كان يركض وراءها.

اتضح فيما بعد أن المهاجم من أفراد الشرطة السريين، وكان يطلب من الفتاة إتاوة أو رشوة نظير السماح لها بدخول الهضبة وبيع منتجاتها الفنية البسيطة، رغم أن جميع الباعة وقبل دخولهم المنطقة يتركون نسخًا من هوياتهم الشخصية لدى الأمن، كما يدفعون مبلغًا ماليًا يوميًا للسلطات نظير عملهم في الهضبة.

منذ أبريل/نيسان 2021، وعقب نقل المومياوات الملكية من المتحف المصري في التحرير إلى مكانها الجديد في المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، بدأ ترويج شبه رسمي لنوع من الأصالة المصرية كخطاب هوية جديدة للنظام، وهو ما يشرحه بتفصيل أكثر مقال القومية العرقية في مصر: الفرعونية الجديدة كأداة للدولة.

يسلط المقال الضوء على ما يمكن تسميته بالفرعونية الجديدة التي يروج لها النظام المصري، من خلال التغطية الإعلامية المكثفة والاحتفائية بموكب المومياوات في مارس/آذار 2021، ثم إنشاء العديد من الصفحات على السوشيال ميديا للتبشير بالكيميتية.

وبعد سنتين وفي أبريل 2023، أنتجت نتفليكس مسلسلًا عن الملكة كليوباترا تتخيلها ببشرة سوداء، وهو ما أثار جدلًا وعليه أصدرت وزارة السياحة والآثار بيانًا للتأكيد على ما تعتبره هوية حقيقية للملكة كليوباترا، وهي إشارة إلى تفاعل الجهات الرسمية مع الخطابات والمعارك المثارة على السوشيال ميديا وانحيازها لرواية محددة.

سكرين شوت من تعليق شيرين هلال على فيديو نشره سوداني يشيد فيه بمطار القاهرة، ويتضمن التعليق هاشتاجات تتضمن رسائل كراهية وتحريض ضد اللاجئين، 17 أبريل 2025

أيضًا تتبنى الصفحات المتماهية مع الفرعونية الجديدة خطاب كراهية ورفض ومعاداة للاجئين الأفارقة، مع غياب لنقاش الأزمة الاقتصادية الموجودة في المجتمع.

كل هذا يساعدنا على فهم المشكلة الحالية على أرض هضبة أهرامات الجيزة، وجزء منها يكمن في تقديم ما يحدث من أعمال على الهضبة باعتباره مشروع "تطوير" يعيد تقديم الحضارة المصرية في "أرقى" صورها بما يناسب السائح المصري، ويعبر عن المصريين "الحقيقيين"، بخطاب مغلف بالتطهر والترقي ويقدم شخصية المصري من منظور الفرعونية الجديدة التي تحمل في طياتها نزعة قومية.

في الأيام الأخيرة انتشرت فيديوهات وتغريدات تنتقد تجربة زيارة الأهرامات بعد التطوير بسبب أن الشركة المطورة أجبرت جميع شركات السياحة على إنزال أفواجها عند المدخل لتتولى أوتوبيساتها الكهربائية نقل الأفواج السياحية مع باقي زوار المنطقة من المصريين والعرب إلى مختلف المناطق، ثم إعادتهم مرة أخرى إلى بوابة المغادرة/الدخول.

المنتقدون للتجربة بنوا نقدهم على تخوفهم من أن اختلاط السياح من مختلف الجنسيات سويًا قد يسبب مشكلات، إضافة إلى أن نقلهم مع مصريين بينهم مراهقون وأطفال أمر لا يليق ويضر بسمعة مصر السياحية.

انتقلت أصداء الصدام من أرض الهضبة والسوشيال ميديا إلى المنصات الإخبارية العالمية مثل BBC التي قدمت تقريرًا عن الأحداث، كما أن النائبة البرلمانية مها عبد الناصر تقدمت بطلب إحاطة في مجلس النواب عما وصفته بـ"الفوضى" التي شهدتها منطقة الأهرامات في أول أيام التشغيل التجريبي لها عقب التطوير، مطالبة بالتوضيح وتحديد المسؤول عن التنسيق مع الخيالة والهجانة، وكيف أفضى التطوير إلى إقصاء المنتفعين.

تتجدد خطابات الكراهية والاتهام بالتخلف لأهالي نزلة السمان والعاملين في قطاع السياحة من أصحاب البازارات، أو مالكي الخيول والجمال (الخيالة والهجانة)، أو الباعة المتجولين بمشغولات يدوية بطابع فرعوني.

نعم، يحول هؤلاء الباعة زيارة الأهرامات إلى تجربة مزعجة يتخللها أحيانًا التعدي الجسدي، ولا نستطيع أن ننكر هذا من التجربة الواقعية لزيارات آلاف السائحين والمصريين على حد سواء لهضبة أهرامات الجيزة.

ولكن ماذا يعني أيضًا إقصاؤهم تمامًا من مخطط التطوير، أو التفاهم معهم لتنفيذه، لماذا لا يقبلون بالبقاء في منطقة التريض المخصصة للهجانة والخيالة؟ تلقي شركة أوراسكوم المسؤولية على عاتق الحكومة المصرية، ولم يتضح ما أساس المشكلة ومن المسؤول عن سوء التنظيم؟

قبل سنوات وحين أعلنت الحكومة تنفيذ إخلاء قسري لمنطقة نزلة السمان، وجد العديد من مؤيدي ثورة يناير الفرصة مواتية للثأر من سكان المنطقة بالتعبير عن تأييد قرار الحكومة من خلال تعليقاتهم على السوشيال ميديا، من منطلق أن هؤلاء السكان شاركوا في الاعتداء على الثوار في ميدان التحرير، في الثاني من فبراير/شباط 2011 فيما عرف إعلاميًا بموقعة الجمل، إذ امتطى المهاجمون خيولهم وجمالهم أثناء الهجوم.

صورة من اقتحام ميدان التحرير فيما عرف بموقعة الجمل - الصورة من موقع توثيقي لثورة 25 يناير

جاء طرح المعلقين وقتها في غياب تام عن أي انحياز طبقي أو مفاهيم حقوقية حول وضع سكان نزلة السمان وكفر الجبل، تضمن خطاب الفوقية والإقصاء صناع محتوى آخرون يقولون إنه لا يمكن تشغيل وتطوير الهضبة والموقع السياحي بشكل راقٍ من دون التخلص من أهالي نزلة السمان وكفر الجبل.

تكمن المشكلة الحقيقية في التنسيق واحترام السكان المحليين على طول الخط في مشروعات التطوير القائمة من الحكومة المصرية، سواء في مناطق سياحية أو غيرها.

لا يمكن التغافل عن المكاسب المادية التي يجنيها سكان نزلة السمان وكفر الجبل، لكن هذه المكاسب وهذا النشاط لا يمكن أن يكتملا دون تنسيق وتقاسم مع أفراد أو مجموعات من شرطة السياحة والآثار، أو قسم الشرطة الحافظ للأمن والأمان في المنطقة.

أبعاد المشكلة تتسم في اختلافات هوياتية ما بين القومية والطبقية والعنصرية. يوجد جمهور إيجيبت، وهو من يهتم بفكرة التطوير والنظافة والجمال وإخراج صور فنية رائعة عن مصر، وأن التحضر والتطور يرتبطان بسؤال مادي اقتصادي حول ماهية المتحدثين للغة الإنجليزية وهم فئة برجوازية، سواء امتلكوا رأس المال الاجتماعي أو المادي، ليتسنى لهم الانتماء لهذه الطبقة.

ومثال لهذا الصراع الهوياتي المرشدون السياحيون الذين ينتمون لمصر وليس إيجيبت ولكنهم يتبنون كل الخطابات الطبقية في أهمية إعطاء السائح تجربة فريدة ونظيفة في معالمها بشكل برجوازي، ويجب فصله عن عامة الشعب، بافتراض هش أن كل الأفواج السياحية تأتي من بيفرلي هيلز في كاليفورنيا أو غيرها من المناطق السكنية التي تسكنها الصفوة الثرية.

أما فئة الكيميتيين الذين يتبنون خطاب هوية فرعونية قومية معاديًا لأي فهم لوضع المجتمع المصري وطبقاته الحالية ومشكلاته الاقتصادية، ويؤيد الحكومة المصرية بخططها السياسية قلبًا وقالبًا ويدعو لنهج ضد الفقراء وليس الفقر، وضد التخلف أيضًا، وينتج خطابًا عنصريًا ضد اللاجئين، فلا ترى أي أهمية لسكان نزلة السمان أو كفر الجبل، أو ماذا يعني التطوير ولمن، رغم أن هذه الطبقة نفسها والمنتمين لها لم ولن تسلم من إخلاءات قسرية في مناطقها لعزلها عن النخبة الحاكمة.