تصميم أحمد بلال، المنصة، 2025
صورة معدلة لبنك ناصر

بنك ناصر.. رهان الموازنة بين غواية الأرباح وخدمة الفقراء

منشور الخميس 24 أبريل 2025

بنكٌ للفقراء.. لهذا الغرضِ أُسس بنك ناصر الاجتماعي، التابع لوزارة التضامن، خدمةً للفئات الأقل دخلًا، ففي وقت تعاني فيه هذه القطاعات من ارتفاع معدلات التضخم، وصعوبة الوصول للتمويل البنكي التقليدي في ظل معدلات الفائدة القياسية، فإن البنك يقدم قروضًا بدون فائدة.

لكن هذا الدور الاجتماعي لبنك ناصر يظل محدودًا في مجتمع يقع ثلثُ سكانه تحت خط الفقر، ولكون البنك لا يحظى بدعم كبير من الدولة ليتوسع في خدماته، وفي محاولته للاعتماد على النفس، توسَّع في عدد من الأنشطة الاستثمارية والتمويل التجاري التي باتت تزاحم نشاطه الأساسي في الإقراض الاجتماعي.

تساهم القروض التجارية التي يقدمها البنك، مثل قروض السيارات، في تعزيز قدرته على تحقيق الأرباح، لكنها في الوقت نفسه تزاحم دوره الأساسي الذي أنشئ لأجله مطلع سبعينيات القرن الماضي وهو توفير تمويلات ميسرة للفئات الأقل دخلًا.

كيف يحقق البنك أرباحه؟

تعكس البيانات المالية الأخيرة لهيئة بنك ناصر الاجتماعي، المشرفة على البنك، القدرة على تنمية الأرباح، إذ ارتفعت بين العامين الماليين 2022-2024 بنحو 400 مليون جنيه لتصل إلى 1.8 مليار جنيه، مع توقعات بوصولها إلى 2.5 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي.

وبينما تبلغ محفظة البنك التمويلية لقروض التجزئة المصرفية، أي القروض غير الموجهة لنشاط إنتاجي، 50 مليار جنيه، فإن نحو 40% منها يوجَّه في الوقت الراهن لأنشطة تجارية، حسب ما يكشف مسؤول بارز في البنك لـ المنصة.

حسب المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، فإن "إجمالي محفظة التجزئة المصرفية موزعة بين تمويلات للقطاع التجاري بقيمة 20 مليار جنيه، وتمويلات اجتماعية تصل إلى 30 مليار جنيه".

بجانب القروض التجارية، اتجه البنك مؤخرًا للتوسع في أنشطة للاستثمار المالي، حيث أسس في 2023 صندوق استثمار "ناصر AZ" الذي يوجه استثماراته لأنشطة نقدية ويوفر عائدًا يوميًا تراكميًا لحملة وثائق الصندوق.

"يمتلك البنك محفظةً استثماريةً تبلغ 7.6 مليار جنيه في صناديق الاستثمار وأدوات الدين الحكومية، وتم إسناد جزء من المحفظة للشركات المتخصصة في إدارة المحافظ، لضمان كفاءة إدارتها والموازنة بين العوائد والمخاطر"، يوضح المصدر بالبنك.

بالإضافة لما سبق، يظهر الطابع الاستثماري للبنك أيضًا في مجال مساهمته في شركات تحقق إيرادات سنوية قوية مثل أبوقير للأسمدة، وشركة سيدي كرير للبتروكيماويات.

هذه التوجهات الاستثمارية للبنك لا يراها الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح تأتي على حساب دوره الاجتماعي "بنك ناصر  يُظهر اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار والمنتجات المصرفية المربحة، مثل شهادات الاستثمار والودائع ذات العوائد المرتفعة، ومع ذلك، لا يزال يحافظ على دوره الاجتماعي من خلال تقديم المساعدات النقدية والعينية للأسر الفقيرة وتمويل المشروعات الصغيرة".

ماذا عن الدور الاجتماعي؟

معاش لأرملة بائع جائل، كان هذا أول إجراء يتخذه به البنك عقب تأسيسه في السبعينيات، في محاولة للإعلان عن توجهه ليكون بمثابة مصدر تمويل لمن لا يقدرون على التعامل مع البنوك التقليدية، وهو ما يؤكد المصدر في البنك على استمراره، فـ"ناصر" لا يزال يحافظ على دوره التاريخي في مساندة غير القادرين، والتوجهات التجارية الحالية لا تعني تخليه عنهم.

 

"القروض الشخصية الموجهة لأصحاب المعاشات والمرتبات تمثل الحصة الأكبر من تمويلات التجزئة المصرفية"، يؤكد المصدر لـ المنصة، منوهًا بأن "نحو 3.5 مليون مواطن استفادوا خلال العام المالي الماضي من أنشطة التكافل الاجتماعي للبنك، التي شملت إعانات ومساعدات وقروضًا حسنة وتمليك وسائل الإنتاج والزكاة".

ويقدم البنك قروضًا بضمان المعاشات بدون فائدة، بجانب دعمه للمشروعات الصغيرة من خلال حملة أطلق عليها اسم مستورة تقدم قروضًا بدون فائدة أيضًا.

ومع ضخامة عملاء البنك في نشاط التكافل الاجتماعي، لكنهم لا يمثلون سوى نحو 10% من نسبة الفقراء في مصر، حسب آخر بيانات عن الفقر نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

الحاجة لدعم أكبر من الدولة 

رغم أن البنك مؤسسةٌ تابعةٌ للحكومة، فإنه لا تَظهَر في الموازنة العامة أي إشارة لدعم مقدم له من الخزانة العامة، لكن المصدر المسؤول يكشف أن "البنك يحصل على مساعدات مالية من الدولة موجهة حصريًا إلى الحالات الاجتماعية الأكثر احتياجًا، مثل الأرامل والمطلقات، كما يبادر أحيانًا إلى تقديم الدعم للأسر الفقيرة من أمواله الذاتية، في إطار مسؤوليته المجتمعية".

إلى جانب دعم الخزانة، فإن بنك ناصر يستفيد بنسبةٍ من موارد الزكاة، وهي واحدة من الأفكار التي تأسس عليها في السبعينيات، ويعدُّها المسؤول "مصدرًا مهمًا للغاية إذ ساهمت في العام المالي 2023/2024 في توفير 1.548 مليار جنيه".

لكن هذه الموارد لا تكفي، ويضطر البنك لمواجهة اختيارات صعبة بين رغبته التوسع في مساندة الفئات الأقل دخلًا تحت الضغوط الاقتصادية الحالية، وبين الحد من نشاطه بسبب عدم كفاية الموارد، كما يشير المسؤول في البنك.

ويفرض التضخم المتصاعد تحديًا صعبًا أمام بنك ناصر، إذ يخفض من القيمة الحقيقية لحجم المساعدات التي يقدمها، ويزيد من عدد المحتاجين للمساعدة.

"البنك يواجه صعوبات في تقديم خدماته بشكل فعال، فارتفاع التضخم أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة، مما يزيد من عدد الأسر التي تحتاج إلى مساعدات نقدية وعينية، وعلى الرغم من مواصلة البنك تقديم برامجه، لكن هذه الجهود قد لا تكون كافية لتغطية الاحتياجات المتزايدة" كما يفيد المسؤول في البنك.

وعلى الرغم من تراجع متوسط معدل التضخم في مصر خلال عام 2024 إلى 27.9%، مقارنةً بمتوسط بلغ 35.4% خلال عام 2023، لكنه استمر عند معدلات مرتفعة فوق الـ10% حتى مارس/آذار الماضي.

وحسب المسؤول البارز، فإن "تصاعد معدلات التضخم خلال السنوات الأخيرة أسفر عن تحميل البنك أعباء إضافية، ورفع قيمة الإعانات والمساعدات من 65.4 مليون جنيه في 2019/2021 إلى 232 مليون جنيه بنهاية العام المالي 2023/2024".

من يراقب البنك؟

يساير البنك التطور ويحاول مواكبة الجديد في القطاع المصرفي عبر التوسع في القروض الاستهلاكية، ومع ذلك فإن وضعه لا يزال غير مريح في نظر البنك المركزي، ما قد يهدد بالحد بشكل أكبر من دوره الاجتماعي في المستقبل.

وينشأ خلاف حول الجهة المسؤولة عن الرقابة على البنك، إذ يطالب البنك المركزي بإخضاعه للقواعد المصرفية التقليدية، بسبب مزاولته الأنشطة المصرفية التقليدية مثل تلقي الودائع ومنح القروض، وحسبما يوضح المسؤول البارز في بنك ناصر  فإن "البنك المركزي طلب أكثر من مرة خضوع البنك لقانون الجهاز المصرفي وتلقينا خطابًا مؤخرًا بهذا الشأن، ولكن من الصعب أن تتم هذه الخطوة نظرًا لأن بنك ناصر يتلقى مساعدات حكومية وغيرها وتمويلات من الزكاة، وهو ما يخالف قانون ولوائح البنك المركزي".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن النائب السابق لرئيس بنك ناصر الاجتماعي، محمد عشماوي، عن الاتجاه لإخضاع البنك لرقابة البنك المركزي خلال العام المالي 2021/2022، عبر اتخاذ إجراءات تنسيقية مع البنك المركزي فيما يتعلق بمراجعة جميع إجراءات العمل والمخصصات اللازمة، ورفع رأسماله، ولكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.

ويشدد المسؤول البارز على أن البنك غير مهيأ نهائيًا للتبعية لرقابة البنك المركزى بحكم هويته الاجتماعية التي لا تتناسب مع الأحكام والضوابط المصرفية التي ينص عليها قانون البنوك.

ويتفق الخبير المصرفي، هاني أبو الفتوح، على أن بنك ناصر لم يخضع لرقابة البنك المركزي بسبب طبيعته الاجتماعية المختلفة عن البنوك التجارية التقليدية، التي تتعارض مع بعض الأحكام المصرفية التقليدية، فهو يعمل على تحقيق أهداف اجتماعية وإنسانية أكثر من تحقيق أرباح، لذلك يجب ألا يتبع بالكامل نظام الفائدة التقليدي.