أعلنت نقابة المحامين دخول أعضائها في إضراب عن الحضور أمام جميع محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية يوم الخميس الموافق 8 مايو/أيار الجاري، احتجاجًا على قرار مجلس محاكم الاستئناف بفرض رسوم قضائية تحت مسمى "مقابل أداء خدمة مميكنة".
وسبق لنقابة المحامين اتخاذ إجراءات احتجاجية أخرى، في مواجهة هذه الرسوم بدأتها بوقفات احتجاجية ثم الامتناع عن تسديد الرسم بخزائن محاكم الاستئناف لمدة ثلاثة أيام، ثم الامتناع لمدة يوم عن سداد أي رسوم بكافة خزائن محاكم الجمهورية، غير أنها أكدت اليوم أن إعلانها لذلك الإضراب الجزئي، يأتي ردًا على تجاهل مجلس رؤساء محاكم الاستئناف لتلك الإجراءات الرمزية التي تم اتخاذها حتى اللحظة والتي "لم تسفر عن ثمة جديد، ولم تصغ أو تعي آذان مصدري تلك القرارات لصوت المحامين رغم عدالة مطلبهم".
وخلال مؤتمر صحفي عقده بمقر نقابة المحامين اليوم، جدد نقيب المحامين عبد الحليم علام، هجومه على تلك الرسوم، مناشدًا رئيس الجمهورية للتدخل "بحكمته المعهودة وحرصه الدائم على مصالح الوطن والمواطنين وإرساء قيم العدل الرفيعة لإنهاء هذه الأزمة، والتوجيه بإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح احتكامًا إلى الدستور والقانون وتصحيح ما اعتل واختل من موازين الرسوم القضائية".
ومنحت نقابة المحامين، في بيانها اليوم، مجلس رؤساء محاكم الاستئناف، مهلة أسبوعًا من تاريخ ذلك الإضراب، لإعادة النظر في قرارت فرض تلك الرسوم، وإلا ستعلن في اليوم التالي عن موعد دعوة الجمعية العمومية للمحامين للانعقاد لرفع الأمر إليها لاتخاذ ما تراه من قرارات "فهي صاحبة حق وصاحبة اختصاص قانونًا".
ومن جانبه، قال عضو مجلس نقابة المحامين عمرو الخشاب لـ المنصة إنه حال عدم الاستجابة لطلبات النقابة، سيطرح على الجمعية العمومية قرار بالإضراب الكلي عن الحضور أمام كافة المحاكم لحين إلغاء تلك الرسوم.
وعدد علّام، خلال مؤتمره، أوجه اعتراضهم على تلك الرسوم، وجاء في مقدمتها مخالفتها للدستور الذي يحظر فرض الرسوم والضرائب إلا بقانون يختص بإصداره ومناقشته مجلس النواب، فضلًا عن عدم إشراك مجلس نقابة المحامين في أمر إقرارها، قائلًا "فوجئنا بإقرارها دون إشراكنا في الأمر، بالمخالفة للدستور الذي ينص أيضًا على أن المحامين شركاء في إرساء العدالة وسيادة القانون ويكفل لهم حق الدفاع".
كما انتقد علام، خلال كلمته، ما تضمنته تلك الرسوم من مغالاة في تقدير مقابل للخدمات التي تقدمها المحاكم، مؤكدًا أن خدمةً كمراجعة حوافظ لا تستحق فرض رسم بواقع 33 جنيهًا عن كل ورقة تتضمنها الحافظة.
ولفت علام إلى أن موظف المحكمة يقوم خلال هذا الإجراء بالتأكد من وجود أصل المستند أو صورته داخل الحافظة، وسأل "إيه الخدمة اللي عملها تستاهل تحصيل 33 جنيهًا عن كل ورقة"، مؤكدًا أن ذلك الرسم بدأ فرضه في 2022 بواقع 5 جنيهات لكل ورقة ثم زاد بعدها إلى 15 جنيهًا، ليصل الآن إلى 33 جنيهًا عن كل ورقة بموجب قرار صادر عن مجلس رؤساء محاكم الاستئناف تضمن توحيد للرسوم المفروضة مقابل أداء الخدمة.
وشكك علام في شرعية وجود مجلس محاكم الاستئناف من الأساس، مؤكدًا صدور حكم قضائي ببطلان تشكيله، عوضًا عن خلو قوانين السلطة القضائية المتعاقبة على النص على وجوده، التي قصرت الاختصاص بإدارة شؤون العدالة على مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل التي تتولى كل الشؤون الإدارية في المحاكم، محذرًا مما سماه بـ"تفتيت منظومة العدالة في مصر" على خلفية وجود مثل ذلك المجلس.
وانتقد علام تبني مجلس محاكم الاستئناف لمهام إدارية تتضمن مثل إقرار تلك الرسوم، مؤكدًا أن القضاة يجب أن يتفرغوا لمهامهم بالفصل في النزاعات، قائلًا "القاضي لا يطلب ولا يقر رسومًا لكي يحضر".
وشدد نقيب المحامين على إضرار فرض هذه الرسوم بالأمن والسلم القومي للبلاد "المواطن عندما تزيد رسوم التقاضي عن مقدرته سيلجأ لطرق أخرى غير المحاكم للحصول على حقه"، منتهيًا إلى أنه لا يجوز لهذه الأوضاع أن تستمر، وعدم جواز اتخاذ قرارات أحادية الجانب وفرضها على المحامين الذين يبلغ عددهم نحو 500 ألف محامي في كل ربوع مصر، متسائلًا "أي عدالة اللي بتتكلموا عليها؟".
وأخذ يشدد "إحنا بدأنا إجراءاتنا التصعيدية في نقابة المحامين ولن نتراجع خطوة للوراء وهنكمل ومستمرين في الدفاع عن حقوقنا مهما كلفنا هذا الأمر، حتى لو تطلب الأمر إننا نقعد في بيوتنا ونبطل محاماة"، مؤكدًا أن مرفق القضاء أهم من التعليم والصحة، وعلى الدولة دعمه ولكن "ليس من جيوب الناس".
وبدأت أزمة الرسوم مطلع مارس/آذار الماضي بقرار أصدره رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار محمد نصر سيد استحدث بموجبه رسمًا جديدًا بمسمى "مراجعة الحوافظ" بواقع 33 جنيهًا عن كل ورقة، كما "يغالي في رسوم خدمات إصدار الشهادات لتصل إلى 60.5 جنيه للشهادة، وخدمة الحصول على صيغة تنفيذية من الأحكام التي وصلت إلى 242 جنيهًا"، حسب تصريحات سابقة لعضو مجلس نقابة المحامين ربيع الملواني.
وفي 8 مارس الماضي، أعلن مجلس النقابة العامة للمحامين رفضه لكل هذه القرارات "لتعارضها مع المشروعية الدستورية"، ملوحًا بوقف التعامل مع كل خزائن المحاكم بكل درجاتها في عموم الجمهورية كخطوة أولى في هذا الشأن.
وأكدت النقابة في بيان لها أن "فرض تلك الرسوم خلق مشكلات عديدة تمس حق التقاضي المكفول دستوريًا للجميع وتنال من حقوق المواطنين والمحامين"، منتقدةً عدم إشراكها في حوار مجتمعي قبل إصدارها "باعتبار أن المحامي هو جزء من المجتمع وشريك للسلطة القضائية بنص الدستور والقانون ويؤدي رسالة سامية".
وشكلت النقابة لجنةً داخلية لإدارة الأزمة التي وصفتها بـ"الأمر الجلل والأزمة التي فُرضت على المجتمع المصري وعلى المحاماة، وتنال من حق التقاضي ودون مبرر مقبول، والتي انتهى الحاضرون إلى ضرورة مواجهتها وبكل الطرق القانونية المتاحة".