البرلمان السابق. الصورة: مجلس الوزراء- فيسبوك

استدعاء "الإجراءات الجنائية" من ثلاجة البرلمان

ثبات مدد الحبس الاحتياطي وتراجع ضمانات المحاكمة العادلة وخسارة للصحفيين

منشور الأحد 11 ديسمبر 2022

بعد نحو خمس سنوات، ظل خلالها مشروع قانون الإجراءات الجنائية حبيس أدراج مجلس النواب السابق برئاسة علي عبد العال، استدعت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في البرلمان الحالي الأسبوع الماضي، مشروع القانون المقدم من الحكومة في 2017، لتبدأ مرحلة جديدة من إعادة مناقشته، فيما يبقى التوقيت محل تساؤلات. 

وينظم قانون الإجراءات الجنائية مسار العدالة والمحاكمات في مصر، من خلال عدد من الإجراءات التنظيمية المتعلقة بمراحل التحقيقات، وما قبل المحاكمات، ومعاملة الشهود والتعامع مع الأدلة، كما ينظم الحبس الاحتياطي وضوابطه، وهو أحد الإشكاليات التي تعاني منها منظومة العدالة في مصر، خاصة بعد استخدامه ضد نشطاء سياسيين، وفي عدد من قضايا الرأي.

وافقت اللجنة الأسبوع الماضي بالإجماع، مبدئيًا، على مشروع القانون. وفسر رئيسها إبراهيم الهنيدي، إعادة المناقشة مرة أخرى لتجديد الحكومة تمسكها بالمشروع من خلال خطاب قدمته للمجلس في دور الانعقاد السابق في 2021، لكنه لم يوضح سبب التوقيت الحالي، أي فتح الملف الآن رغم مرور نحو عام على الإعلان عن رغبة الحكومة، بحسب ما قاله للنواب.

وصدر قانون الإجراءات الجنائية في العام 1950، وعُدل جزئيًا على مدار السنوات الماضية، في فترات مختلفة.

لماذا الآن؟

على الرغم من عدم منحنا إجابة واضحة عن سر التوقيت الحالي، لكن البعض ربطه بالحوار الوطني، خصوصًا وأن القانون يتضمن نقاطًا تمس مطالب القوى السياسية في إحداث إصلاحات، وسبق ووضعه مجلس أمناء الحوار ومقرري المحور السياسي، بين الموضوعات الرئيسية التي يرغبون في طرحها على المائدة، منها الحبس الاحتياطي.

ولم يستبعد وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية النائب إيهاب الطماوي، في تصريحات للمنصة، ذلك قائلًا إن اللجنة والحوار الوطني يعملان بالتوازي لخدمة الدولة المصرية، ونسعى لتحقيق آمال وطموحات المصريين، مشددًا على عدم وجود تعارض بين دور اللجنة في المناقشة والحوار الوطني.

لكن عضو اللجنة النائب أحمد الشرقاوي، وهو أيضًا عضو في مجلس أمناء الحوار الوطني، قال للمنصة "إن مسار المناقشة في اللجنة التشريعية لا علاقة له بالحوار الوطني، وهذا حق أصيل لمجلس النواب". وقلل الشرقاوي من أهمية استحضار مشروع القانون حاليًا، مستبعدًا أن ينتهي لشيء. وأرجع استدعاءه إلى خلو أجندة اللجنة من الموضوعات المهمة طوال دوري الانعقاد، مضيفًا "أشك في جدية وإرادة إخراج قانون الإجراءات الجنائية بهذا الشكل".

خلال إحدى المؤتمرات الصحفية لمجلس أمناء الحوار الوطني.

وبعيدًا عن التوقيت، فإن التعديلات الحكومية  على قانون الإجراءات الجنائية، ممثلة في المشروع، لا تحقق طموحات القوى السياسية، بل تسلب القانون الكثير من المزايا السابقة.

وسبق أن خاض البرلمان السابق نقاشات طويلة حول التعديلات، استغرقت نحو عام، حتى وصلت إلى نسخة ترضى عنها قوى الموالاة والمعارضة داخل اللجنة السابقة، غير أن ما تم استدعاءه اليوم، هو نسخة الحكومة، فلا يوجد في لائحة مجلس النواب نص يلزم اللجنة التشريعية الحالية بالأخذ بجهد النواب في الفصل التشريعي السابق.

تعديلات تقيد العدالة

يقول المحامي الحقوقي ومدير مركز استقلال القضاء والمحاماة ناصر أمين، إن التعديلات تضمنت نحو نصف مواد القانون، وتعيد صياغة بعض النصوص القديمة، ورفع قيمة الغرامات الورادة في القانون التي لا تتجاوز عشر أو خمس جنيهات إلى 500 جنيه.

ويشير أمين إلى أن التعديلات تحذف ضمانات موجودة في القانون وأهمها إنهاء صلاحيات قاضي التحقيق، ما يعد انتكاسة لضمانات المحاكمة العادلة، فمبوجب التعديل يصبح التحقيق حق للنيابة منفردة، على خلاف ما كان قائمًا من قبل.

ويشرح أمين فكرة التحقيقات "يجب أن تجريها جهة قضائية مستقلة لا سلطان عليها ولا مرؤوس لها، حتى تكون ضمانة التحقيق كاملة، لذلك نص القانون منذ نشأته في الأربعينيات أن يتولى التحقيق مع المتهم قاضي، والنيابة ينحصر دورها في توجيه الاتهام فقط".

وأضاف "القاضي ليس له رئيس، هو مستقل في قراره يستطيع أن يبرئ ساحة المتهم فورًا ويحفظ التحقيق، أو يرى جريمة فيحيل الملف للنيابة لتوجيه الاتهام فقط دون أن يكون لها سلطة سؤال المتهم، هذا الوضع ظل موجودًا حتى عام 1958، حتى مُنحت النيابة سلطة التحقيق بدلًا من قاضي التحقيق نظرًا لانشغال القضاة".

وتابع أن "نقل سلطة التحقيق كان استثناء، ومع مرور الزمن أصبحت النيابة تباشر التحقيق والاتهام، مع الإبقاء على قاضي التحقيق كضمانة يلجأ لها المتهم إذا شعر بعدم الارتياح في تحقيق النيابة"، مشيرًا إلى أن التعديل"أمر خطير ينقل النظام القضائي من نظام إلى آخر"، وبموجبه "تصبح النيابة العامة سلطة التحقيق وسلطة الاتهام في الوقت نفسه".

ويشير أمين إلى أن الجمع بين السلطتين يقتضي تعديلًا أكبر، بألا تتبع النيابة العامة ممثلة في مكتب النائب العام، وزير العدل بل مجلس القضاء الأعلى؛ "أرادوا لها التحقيق يجب أن تتبع السلطة القضائية وليس التنفيذية، وإلا كان ذلك إخلالًا بحق وضمانات المحاكمة العادلة".

ويوضح أمين أن التعديلات سلبت سلطة رؤساء المحاكم الابتدائية والاستئنافية زيارة السجون المركزية داخل دائرة المحكمة والتفتيش عليها، لتصبح للنيابة العامة فقط، وكذلك تراجع حق المحامي في تصوير التحقيقات أثناء إجرائها، فتنص المادة 75 في التعديل على أن للمتهم ووكيله المدعي بالحق المدني حق الحصول على صورة من التحقيقات، "ما لم يكن هذا الأمر في غير مصلحة التحقيق".

تسلب التعديلات الاستثناء الإيجابي لصالح الصحفيين بأن تنظر قضايا الجنح التي تقع بواسطة الصحف أمام محاكم الجنايات وليس أمام محكمة الجنح (محكمة جزئية)، موضحًا أن "المشرع كان يخشى على الصحفيين أن يكونوا عرضة لمخاطر المحاكمة أمام قاضٍ جزئي، فوضع ضمانة أن تنظر القضية أمام محكمة كبيرة وهي الجنايات، التي تتألف من دائرة قضاة أصحاب خبرة".

الحبس الاحتياطي

يعتبر أمين أن المادة الأخطر على الإطلاق في مشروع التعديل، هي المادة 120، التي أطلقت يد النيابة في أوامر الحبس.

وبموجب القانون الحالي إن أرادت النيابة استمرار الحبس أكثر من أربعة أيام، تعرض الأمر على القاضي الجزئي، وهو فقط له حق النظر في استمرار الحبس لمدة تصل بحد أقصى إلى 45 يومًا، وإن أرادت النيابة العامة الاستمرار في الحبس تتجه لمحكمة أعلى، وهي الجنح المستأنف منعقدة في غرفة المشورة المكونة من ثلاثة قضاة، ولها صلاحية استمرار الحبس 45 يومًا وتجدد، وبحد أقصى ستة أشهر بعدها يجب أن يحال المتهم للمحاكمة.

يضيف أمين "التعديل منح النيابة العامة سلطة القاضي الجزئي وقاضي الجنح المستأنف في غرفة المشورة، نقل صلاحيتهما لسلطة النيابة العامة ومنحها الحق في الحبس أكثر من أربعة أيام، وهذا ينطبق على الجرائم المنصوص عليها في الباب الثاني من قانون العقوبات، التي تسمى الجرائم المضرة بأمن الحكومة من الداخل". 

في الوقت نفسه ظلت مدد الحبس الاحتياطي بلا جديد، يقول أمين "ما زلنا على آخر تعديل وقع في عهد الرئيس عدلي منصور، أقصى مدة في جرائم الجنح ستة أشهر، وأقصى الجنايات 18 شهرًا، ولو كانت العقوبة مؤبد أو إعدام تصل مدة الحبس لسنتين".

بينما يشير أمين إلى الإبقاء على "النص الشاذ أن لمحكمة الإحالة أو النقض الأمر بحبس المتهم مدد أخرى دون التقيد بهذا النص"، مضيفًا هذا النص "موجود في المادة 130 في مشروع القانون، نحن مازلنا أمام مشكلة تمديد الحبس الاحتياطي دون تحديد".

المنع من السفر

أما بشأن قرارات المنع من السفر، التي لم يكن منصوصًا عليها في قانون الإجراءات الجنائية الحالي، منحت التعديلات النيابة سلطة لإصدارها، وهي نقطة إيجابية بحسب أمين، موضحًا "أن التعديل في صالح المتهم لأن أول مرة يُحدد الجهة التي لها الحق في إصدار قرار منع من السفر، إضافة إلى أن التعديل يضع نص يحدد مدة المنع بحد أقصى سنتين وفق التعديل المطروح في المادة 155".

بينما لم يطرأ جديد على سبل التظلم على قرار المنع من السفر، فيبقى الحق في التظلم خلال 15 يومًا وفي حال رفض التظلم يجرى تظلم مرة أخرى بعد مرور 90 يومًا.

وضمن النقاط الإيجابية أيضًا التزام الحكومة بالنص الدستوري الخاص بالاستئناف في الجنايات على درجتين، ويعلق "لا توجد مادة جيدة في مشروع القانون إلا وكانت تطبيقًا للالتزامات والضمانات الدستورية المذكورة في دستور 2014".

تبقى تعديلات قانون الإجراءات الجنائية محل ترقب من الوسط السياسي والقانوني، ما بين مخرجات مبتغاة من الحوار الوطني، وما يدور في مجلس النواب، وكلاهما معلقان بإرادة سياسية للسلطة ومدى رغبتها في إيجاد حلول لإشكاليات العدالة وحقوق الإنسان في مصر.