منذ بضعة أشهر، استيقظت من النوم مضطربة قلقة، أشعر بانقباض في صدري. تزداد الآلام يومًا تلو الآخر، حتى صحوت في أحدها والخوف ينهشني، تركت عملي وجلست أجهش بالبكاء لأكثر من ساعة دون سبب. بدأت ألحظ شعوري بالكآبة في أشد الأوقات استقرارًا، وضاعت عليَّ مناسبات كثيرة. دققت في الأمر وعرفت أن ما أعاني منه هو ما يسمى بمتلازمة ما قبل الحيض PMS ففتح ذلك رغبتي بالتعمق في الموضوع ومعرفة الإجابة لسؤال "كيف تؤثر متلازمة/ اضطراب ما قبل الحيض على حياة النساء؟.
حسب عيادة مايو كلينك الأمريكية تعرف متلازمة ما قبل الحيض PMS" Pre Menstrual syndrome" على أنها مجموعة متنوعة من الأعراض التي تصيب النساء قبل دورتهن الشهرية وتشمل: تقلبات مزاجية، ألم الثدي، رغبة شديدة في تناول الطعام، تعب عام، واكتئاب. كما تُصاب ثلاثة من كل أربع نساء بمتلازمة ما قبل الحيض أي ما يساوي 75% من النساء. وتميل أعراض المتلازمة إلى التكرار بنمط يمكن التنبؤ به، لكن التغيرات الجسدية والعاطفية قد تختلف في حدتها.
استخفاف طبي
تعاني النساء من نقص الاهتمام بهذه المتلازمة، فعوضًا عن تشكيك بعض الخبراء في وجودها من الأساس باعتبارها نتاج عامل ثقافي، يوجد نقص كبير عالميًا في الدراسات التي اهتمت بها مقارنة بضعف الانتصاب مثلًا.
وفي العالم العربي، لا توجد دراسات حول المتلازمة، لذا قمت بإعداد استبيان وطرحته على بعض صديقاتي ومجموعات نسائية على فيسبوك وتويتر، حتى شاركت فيه 456 امرأة عربية من مصر، الأردن، لبنان، المغرب، فلسطين، أعمارهن بين 15 إلى 50 عامًا، وخلاله استطعت أن أرسم صورة أكثر قربًا لما نعانيه من آلام جسدية ونفسية، والحيل التي نلجأ إليها لتخفيف حدتها.
تنوعت الفئات المشاركة حسب العمر والدول لاهتمامهن الكبير بالموضوع، منهن نساء يعانين بعنف؛ لدرجة اعتقاد إحداهن أن المتلازمة ستكون "سبب موتها"حسب تعليقها.
كان من بين المستجيبات علياء أحمد* 19 عامًا، والتي تعاني من آلام جسدية حادة، قبل دورتها بأيام، لا يوقفها أقوى المسكنات بجانب الأرق وإحساسها بالوحدة والتيه. ذهبت علياء إلى أكثر من طبيبة نسائية، لكن الرد عادة ما يكون محبطًا "أنتِ بخير والآلم طبيعي سيختفي بعد الزواج والإنجاب". هذا الاستخفاف بآلامها جعلها تفكر جديًا بقرار عدم الإنجاب مستقبلًا، تقول "إذا لم أكن قادرة على تحمل آلام ما قبل الحيض، كيف سأتحمل آلام الحمل والولادة".
ومعاناة علياء عشتها شخصيًا، فلم أجد مكانًا للعلاج المتخصص الكفء لآلامي قبل الحيض من ناحية، أو تفهم الطبيب أو الطبيبة لي من ناحية أخرى.
وفيما كانت المنفعة من الأطباء تتضائل عندي وعند علياء، استطاع تطبيق، مساعدة أميرة عادل* (21 عامًا)، في تشخيص آلمها، عندما لاحظت ارتباطه باقتراب موعد دورتها، تقول "بدأت اكتشف تغيرات نفسية حادة قبل الدورة، لدرجة لا أستطيع القيام من السرير، وأي كلمة من أي شخص تدفعني للانفجار فيه أو البكاء، وقد عرفت بالصدفة أن هذه الآلام تلاحقني قبلها، بمساعدة تطبيق تتبع الدورة الشهرية".
تضيف أميرة للمنصة "أعيش مع نوبات هلع متكررة، وبكاء متواصل، وتتأثر حياتي الدراسية، حتى أتاني إنذار من الجامعة بسبب عدم التزامي، رغم أني أنا مُنجزة ونشيطة في حياتي العادية، أفكر بالذهاب للطبيب النفسي، ولكن ليست لدي شجاعة فعل ذلك".
ومثل أميرة، ومثلي، تعيش سمية نادر* (35 سنة) فترة من العذاب المتواصل قبل أن الدورة بأسبوع "قد أنام لمدة 18 ساعةً بشكل متواصل، وعقلي لا يقدر على فعل أي شيء، بل أتحول من شخص فعال محب للحياة إلى كائن لا يقدر على الحركة أو التفكير".
اضطرت سمية إلى الغياب كثيرًا من العمل خلال تلك الفترة، عوضًا عن الخصومات والإنذارات المتكررة التي تتعرض لها من مديرها. وتحاول أن تعوض ذلك بالعمل لساعات متأخرة والإلتزام إلى أقصى حد في أيام عملها العادية. وتضيف انزعاجها من تعليقات زملائها الشباب، فقد أدركوا أنها تكون في فترة ما قبل الحيض عندما تنتابها هذه الحالة، واعتبروا ذلك الأمر مادةً للمزاح والتعليقات التي تجدها سمية سخيفة.
بي إم إس ليس وحده
بجانب متلازمة ما قبل الحيض PMS، هناك اضطراب (PMDD) Premenstrual dysphoric disorder وهو مشكلة أكثر خطورة، وأعراضه أكثر عنفًا، على نحو يؤثر مباشرة على العمل والإنتاجية والحياة الاجتماعية. وبحسب عيادة مايو كلينك فإن اضطراب (PMDD) هو امتداد حاد، معطل أحيانًا لمتلازمة ما قبل الحيض (PMS). وفي كل من PMDD و PMS ، تبدأ الأعراض عادةً قبل بدء الدورة بسبعة إلى عشرة أيام وتستمر في الأيام القليلة الأولى من الدورة الشهرية.
صنفت منظمة الصحة العالمية "بي إم دي دي" عام 2019 كاضطراب نفسي. وتشير دراسة صادرة عن جامعة هارفارد إلى أن نسبة النساء المصابات به عالميًا يتراوح بين 5 إلى 8%.
وفيما يحاول الأطباء والباحثون في الخارج التفرقة بين المتلازمتين، فإن هذه المعرفة لم تتطور بالمثل في عالمنا العربي حيث لا زلنا نعاني فقرًا في المعرفة والتشخيص، حتى أن 12.28% ممن أجبن عن أسئلة الاستمارة، لم يسمعن من قبل عن تلك المتلازمة، علمًا بأن تلك النسبة بين سيدات تطوعن لملء استمارة على فيسبوك وتويتر، أي لا يعكسن كل فئات المجتمع خاصة أولئك الذين يقبعون تحت خط الفقر، ونسبتهم نحو 29.7%، وهم من يحظون بفرصٍ أقل في التعلم والتواصل وتحصيل المعرفة.
آلام نفسية وجسدية
أظهرت نتائج تحليل الاستمارة، أن 32.46% من العينة، يعانين من آلام جسدية قبل الحيض، فيما تأتي النسبة الأكبر في من يعانين آلامًا نفسيةً بواقع 55% منهن، وتجمع نسبة 3% من العينة بين المعانتين؛ النفسي والجسدي. وتنوعت الحيل التي تلجأ إليها الفتيات والسيدات في محاولة منهن للتخفيف من حدة المتلازمة بين الاستماع إلى الموسيقى وأكل السكريات وبالأخص الشوكولاتة وممارسة الرياضة أو العزلة أو التحدث مع أحبائهن.
وبما أن الجزء الأكبر من النساء يعانين من آلام نفسية، فهل يمكن اعتبار ما يواجهنه السيدات خلال تلك الفترة، مرض نفسي، أو اضطراب يحتاج إلى تعامل طبي؟
تقول الأخصائية النفسية اللبنانية فاتن خليفة للمنصة إن هذا الاضطراب قد يصبح اضطرابًا نفسيًا وعقليًا دائمًا، إذا أثر على حياة المرأة بشكل تام، بل ويمكن أن تورثه لبناتها أيضًا. وتشير أنه يظل مرتبطًا بفترة ما قبل الدورة، ويمكن علاجه أو التخفيف منه حسب حدة الحالة.
https://w.soundcloud.com/player/?url=https%3A//api.soundcloud.com/tracks/1284161242%3Fsecret_token%3Ds-XJws5En29uH&color=%23ff5500&auto_play=false&hide_related=false&show_comments=true&show_user=true&show_reposts=false&show_teaser=true&visual=trueالمنصة · طبيبة نساء تقدم نصائح للتعامل مع متلازمة ما قبل الحيض
ويرى استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز أن غالبية الحالات لا تستدعي العلاج النفسي، قائلًا للمنصة إن هذه التقلبات المزاجية أمر طبيعي، ولكن هناك نساء حياتهن تقف تمامًا خلال هذه الأيام، قد تشمل أعراضهن عصبية مبالغ فيها، اختناقًا في الرقبة، انتفاخًا الجسد، اضطراب في النوم والطعام، البكاء، وإيذاء النفس. وهنا لا يمكن السكوت، فهذه أعراض خطيرة، كما أن النساء الأكثر عرضة لذلك هن ذوات الاستعداد الجيني للمرض النفسي.
المعلومة نفسها واردة في مقال على موقع هارفارد، يوضح أن النساء المعرضات للإصابة بهذا الاضطراب، هن من لديهن تاريخًا من المرض النفسي، أو المعرضات لاضطرابات مزاجية معينة، أو عانين من اضطراب نفسي سابق، مثل اكتئاب ما بعد الولادة. وأظهرت إحدى الدراسات أن 15% من النساء المصابات بهذا الاضطراب حاولن الانتحار. كما أن 70% من المصابات بهذا الاضطراب لديهن ميول انتحارية.
والارتباط بين المرض النفسي ومتلازمة ما قبل الحيض، يصيب ميساء أحمد (29 عامًا) من المغرب بحيرة، ويجعلها غير قادرة على تحديد سبب ما تعانيه، وما إذا كان من المتلازمة أو من اضطراب ثنائي القطب الذي شخصت به. تقول للمنصة"قبل الدورة أعاني من بعض الأعراض مثل هبوط حاد في المزاج وتقلبات مزاجية عنيفة، ولكن اختلط علي الأمر، هل هذا بسبب ثنائي القطب أم المتلازمة؟".
تضيف "في السابق كنت أتحدى هذه المتلازمة، وأحاول ألا أبدي ما أشعر به من نفور لكل شيء حولي، وعدم الرغبة في مغادرة السرير، لكن لم يكن تحديًا ممكنًا، لأن هذه المتلازمة تتجاوز قدراتي، الشهر الماضي فقدت التركيز تمامًا واعتذرت عن تكليف طُلب مني في إطار دورة تعلمية اتابعها بسببها، المسألة أني أصل إلى حد البكاء وأشعر أني غير قادرة على ممارسة روتيني وحياتي بشكل عادي في تلك الأيام".
وتتجاوز قدرة المتلازمة في التأثير على أصحاب التاريخ المرض النفسي، فتقول نرمين حسام* (18 عامًا) "أصنف نفسي كشخص حليم وصعب الاستفزاز، ولكن وقت ما قبل الدورة، تنتابني عصبية شديدة وغضب غير مبرر، واتشاجر كثيرًا وأفعل أشياء أندم عليها".
لا تستطيع نرمين الشكوى لأحد لأنها تخشى ردود أفعال المحيطين بها، ولكنها تفكر جديًا في إزالة الرحم عندما تصبح قادرة على ذلك، وتضيف أنها لم تستطع التواصل مع طبيب نفسي بسبب انتظارها كل مرة مضي الأيام، فتهدأ وتنسى الأمر.
محيط لا يستوعبهن
بجانب المشاكل الجسدية والنفسية التي تعاني منها النساء في فترات ما قبل الحيض، تواجهن مشكلة أخرى وهي التعامل مع محيطهن الخارجي.
تقول شيرين سالم (28 عامًا) من لبنان، إنها عانت الكثير في علاقتها مع حبيبها بسبب تأثير المتلازمة؛ فدائمًا ما كانت تتشاجر معه، وتبكي بلا سبب لأنها تظن أنه لا يحبها، دون أي سبب منطقي، ولأنه لم يفهمها وكان يتهمها بالجنون والمبالغة انتهت علاقتهما. أما وردة زين* 31 عامًا، فتواجه شجارات غير منطقية طوال تلك الفترة، فهي لا ترغب في الحديث مع أحد بل وتنهي علاقاتها دائمًا في هذه الفترة دون رجعة.
وعن تلك النقطة تعلق طبيبة النساء مي نصر للمنصة "أعمل على نشر الوعي بين المتزوجين حديثًا، أشرح للزوج متى يتحمل زوجته ومتى يبتعد عنها. كما يجب على الرجل أن يقدر ما يحدث ويدرك أنه خارج عن إرادتها تمامًا".
وعلى الجانب الآخر، يحاول بعض الرجال استبعاب زوجاتهن خلال تلك الفترة يقول خالد حسين* (36 عامًا) من الأردن، وهو زوج وأب لطفلين، إنه لم تكن لديه الكثير من المعلومات حول المتلازمة، وفي بداية زواجه عانى مع زوجته بسبب تقلباتها المزاجية، وكانت تحدث مشادات كلامية بينهما، في السنوات الأخيرة ازدادت معرفته بسبب الإنترنت، وأصبح أكثر تفهمًا لزوجته في هذه الفترة.
لماذا يحدث الاضطراب؟
حتى الآن لا نعرف السبب الدقيق لمتلازمة ما قبل الحيض، ولكن حسب إحدى الدراسات تنتج المتلازمة عن الإباضة، ويبدو أنها ناتجة عن هرمون البروجسترون المنتج بعد الإباضة لدى النساء اللائي لديهن حساسية معززة للبروجسترون. قد تكون الحساسية الزائدة ناتجة عن خلل في الناقل العصبي (السيروتونين) والذي يؤثر بشكل أساسي على الحالات المزاجية، حيث أن انخفاضه في الجسم يؤثر على الكثير من الاختلالات داخل جسد المرأة.
وتوضح أخصائية النساء والتوليد وتأخر الإنجاب الدكتورة مي نصر في للمنصة إن ليس كل النساء يتأثرن بهذا الأمر، فهناك حالات قد تتألم لدرجة دخول المستشفى، والسبب مادة البروستاجلاندين التي تسبب تقلصات في الرحم مما يضغط على الاوعية الدموية فيحدث عثر الطمث، وتختلف كمية هذه المادة من جسد امرأة لأخرى، وبالتالي تختلف درجة الألم، والألم يعني أن التبويض جيد، والدورة تسير بتسلسلها الطبيعي.
وحسب الطبيب النفسي فرويز يمكن أن تؤثر المشاكل الزوجية والخلافات الأسرية والضغوطات النفسية على حدة ألم النساء في تلك الفترة، ولهذا يرى أنه كلما زاد الوعي بهذا الأمر كلما أصبحت حالة النساء أفضل. على الصعيد العالمي تم تحديد شهر إبريل/ نيسان للتوعية بالاضطراب المزعج السابق للحيض، وهناك منظمات تنشر التوعية وتشارك النساء تجاربهن، بجانب وجود مجموعات دعم على فيس بوك مثل PMDD & PME Support.
لا يوجد علاج قاطع للمتلازمة التي تصاحب النساء إلا في فترات الحمل وانقطاع الطمث، ولكن يمكن التخفيف من حدتها حسب كل حالة، بحسب فرويز، الذي يضيف أن "العلاج يكون ببعض الأدوية لتعويض فيتامين ب للتأثير على هرموني الدوبامين و الستروين في الدماغ، مع أدوية لتخفيف نسبة الماء في الجسم، ومضادات الاكتئاب، بالإضافة إلى العلاج السلوكي لتهدئتها".
ويكمل "أرجو أن تلاحظ كل امرأة حالتها إن استمر الأمر لأكثر من ثلاثة شهور متتالية يجب أن تلجأ إلى الطبيب النفسي، أما إن تكررت لثاني شهر وتوقفت ننصحها بالانتظار قليلًا".
وتضيف الطبيبة مي ضرورة المتابعة مع طبيب نسائي لمراقبة الهرمونات، والالتزام بتناول الفيتامينات، وممارسة الرياضة والتخفيف من الكحول والتدخين، إذ يخفف ذلك حدة الاضطراب والمتلازمة على حد سواء.
على طريق الوعي
بعد عملية البحث والاستبيان، لا أنكر أنني وجدت عزاءً في معرفة أن ما أتعرض له ليس حكرًا علي بل تواجهه كثيرات من بنات جنسي، لكن يظل أمامنا طريق طويل من الوعي المجتمعي اللازم لتقليل حجم الضرر الذي يقع علينا، فلو أن كثيرون يعلمون عن تلك المتلازمة، ربما تغيرت الصورة الذهنية عن السيدات بوصفهن "متقلبات المزاج" أو "نكديات"، إلى أنهن بطلات يواجهن كل شهر شبحًا مخيفًا، لا يسهل ترويضه.
* الأسماء مستعارة بناء على طلب المصادر لحماية خصوصيتهن.
نُشر هذا التقرير كجزء من مشاركة الكاتبة في ورشة الصحافة العلمية ومن خلال مشروع "الصحافة والعلوم في منقطة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" وهو أحد مشروعات معهد جوته الممولة من وزارة الخارجية الألمانية.