بعد سنوات من المقاومة، ومحاولات التواجد وسط انتهاكات مستمرة، لم يعد المحامي الحقوقي جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قادرًا على مواجهة الضغوط، التي لم يعد يواجهها وحده بل أصبحت تطال كل العاملين معه والمقربين منه، ليقرر إسدال الستار على رحلة الشبكة الحقوقية التي بدأت عام 2004، لأن صوته "أصبح نشازًا" وسط الكثير من الأصوات.
لم يكن قرار الإغلاق سهلًا على عيد، ولكن مواجهة الضغوط التي تمارس عليه وعلى العاملين في الشبكة كان أصعب، ليقرر ترك العمل من خلال مؤسسته دون أن يتوقف عمله في الدفاع عن حقوق الإنسان ولكن كمحامٍ حر، حسبما أخبر المنصة في حوار جرى في مقر الشبكة الذي أصبح خاليًا من الموظفين، سوى عامل البوفية.
والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان هي مؤسسة قانونية تعمل في الدفاع عن حرية التعبير في مصر و العالم العربي ولا سيما حرية الصحافة، باعتبارها بوابة التمكين من الحصول على باقي حقوق الإنسان، وتدافع وتدعم الحق في التعبير "عن كل الآراء، دون النظر للاتفاق أو الاختلاف معها" حسبما جاء في تعريفها عن نفسها.
وكانت الشبكة تقدم الدفاع والمساندة القانونية لانتهاكات حرية التعبير، بالإضافة إلى تدريب الصحفيين ونشطاء الإنترنت على المصداقية والكتابة المهنية وتفادي جرائم النشر، وتنظم حملات الدفاع عن سجناء الرأي، وتوثق الانتهاكات وتنشر التقارير والدراسات التي تكشف هذه الانتهاكات وطرح توصيات بصدد تلافيها، وتحث الحكومات والجماعات السياسية والشركات على احترام قيم حقوق الإنسان ولاسيما حرية التعبير، وتقدم المبادرات المتعلقة بإصلاح منظومة الإعلام والمؤسسات المنوط بها تنفيذ القانون، وتعمل على رفع وعي المواطنين بحقوقهم وكيفية الدفاع عنها.
يجلس عيد على مكتبه في محاولة "تقفيل الحسابات"، والتأكد من حصول موظفي الشبكة على مستحقاتهم المالية سواء المؤمن عليهم أو العاملين بالقطعة، بالإضافة إلى محاولة تأمين وظائف أخرى لهم. يودع عيد مكانه الذي يعتبره طفلًا صغيرًا ولد على يده، لم يعد قادرًا على حمايته من الانتهاكات والصعاب "في بيان لمحاولة رصد الانتهاكات التي تتعرض لها الشبكة، رصدنا أكتر من 20 انتهاكًا، ما بين مضايقات للعاملين بها، أو تهديد بإلقاء القبض عليهم، أو محاولة تجنيدهم للعمل مع الأمن، فأصبح المناخ غير مناسب للعمل، يمثل تهديدًا لكل من له صله بالشبكة سواء من يعمل بها، أو من يتعامل معها، اندهشت من حدة الانتهاكات وعددها، والملاحقة الأمنية، هناك 9 تم استدعاؤهم للتحقيق، وتم الضغط عليهم ومحاولة تجنيدهم لمجرد أن لهم علاقة بالشبكة".
رغم أن عيد لا يزال خارج الحبس بحسب وصفه، فإن الضغوط التي تحدث عنها كانت كفيلة بتعزيز قراره بعدم الاستمرار، والتي لم يرغب في التحدث عنها أو كتابتها عبر صفحته كما هو معتاد، لأن هناك كثيرين داخل السجون، وهناك من اضطر للسفر خارج مصر، ولكن الأمر تحول لمعركة "ثأر شخصي" لا يمتلك هو ومن يعمل معه الخبرة للتعامل مع هذا النمط من التوحش.
الضغوط التي يتحدث عنها عيد ليست وليدة اليوم، ولكنها تزداد باطراد ومع زيادتها كان التفكير في القرار، حتى وصلت لمرحلة لم يعد قادرًا على مواجهتها. يشير عيد إلى أنه فكر في التقاعد للمرة الأولى عام 2012 بعد نجاح ثورة يناير في الإطاحة بمبارك، لأنه رأى حينها أن بإمكانه الانسحاب من المشهد وترك قيادة العمل الحقوقي للجيل الجديد، ولكن إصرار الشباب الذي آمن بالثورة حينها، حسب قوله، دفعه لاستكمال التجربة معهم.
ومع الانتصارات المتتالية التي حققتها الثورة المضادة بدءًا من 2013، تزايدت الضغوط والتحديات، خاصة مع صدور قانون الجمعيات الأهلية عام 2017 الذي يقيد عمل الجمعيات الأهلية ووصفه عيد بأنه "مستبد".
بعد صدور القانون حدثت مناقشة جماعية بين العاملين في الشبكة، ورغم تحفظات عيد على القانون توافق العاملون على البدء في اتخاذ الإجراءات القانونية لتوفيق أحوال الشبكة، حيث "طلب منا التخلي عن اسم الشبكة، والتخلي أيضًا عن حرية الرأي والتعبير"، وهنا كان سيضطر لتغير النشاط أو المنهج الذي اتبعه من البداية ويصبح عمله ورقيًا، وحتى عند الموافقة على هذا الأمر فلن يتمكن من التوقيع على أوراق أو التعامل بمستندات رسمية لأنه لا يزال من ضمن المتهمين في القضية 173، وفي المقابل عند العمل بالنظام الحالي فمن الممكن شطبه هو من معه من محامين من النقابة، وهناك غرامات مالية من الممكن أن تفرض عليهم، وهنا خرج القرار من عيد، بأن عليه التوقف، وحتى يتم الإعلان رسميًا، عليه توفير وظائف للعاملين معه في أماكن أخرى.
تهديدات وصعاب
وبينما كان قرار توفيق الأوضاع جماعيًا فإن قرار الإغلاق لم يكن كذلك، حيث رفضه العاملون البالغ عددهم حاليًا 28، يعمل منهم 13 من الخارج، و15 من داخل المكتب ما بين باحثين ومحامين، لكنه القرار الأصح "التهديدات أصبحت غير محتملة، تؤثر على العلاقات الاجتماعية أيضًا، فهناك من المقربين من يرفض أو يتجنب التعامل معي أو مع العاملين بالشبكة خوفًا من الملاحقة الأمنية".
على مدار الشهور الماضية، حصل المؤمَّن عليهم بالشبكة على مستحقاتهم المالية، والمحامون سعى عيد لتوفير وظائف لهم في مؤسسات مماثلة "المحامين بدأوا يطّلبوا بالفعل في أماكن تانية وكذلك التقنيين والآي تي"، ليستعد هو لاستكمال عمله ولكن كمحامٍ حقوقي حر، يبحث عن مكتب صغير يباشر عمله من خلاله.
لا يخشى عيد من اتهامه بالهروب أو التخلي عن المشهد السياسي "أنا مش هكمم الناس أو أمنعهم يتكلموا، بس لو افترضنا إني قائد كتيبة، جزء من مهمتي كقائد كتيبة إني أوفر الحماية لأفرادها، أو حتى إنهم يشتغلوا فرادى، لأن أصدقائنا المقربين بيقطعوا التواصل معانا باعتبارنا شبهة أو مصدر خطر، حتى مجرد الزيارات العائلية بيقطعوها، ولو أنا ههرب فالشبكة كانت ممكن تكون حماية لي كشخص علشان الانتقام المباشر ميزدش، وأنا فرد أو محامي حر ممكن يزيد تلفيق القضايا، لكن الحماية الأهم هي حماية الأفراد والعاملين بها، لأن الأمن متصور إنه ليه ثأر عندنا".
من أمام المكتبة التي تضم مئات من الكتب المتنوعة، وقف يتأمل ويتذكر مكتبات الكرامة، التي أغلقت بأوامر من الأمن منذ ما يقرب من خمس سنوات. أقيمت المكتبات بقيمة جائزة "المدافع عن الكرامة الإنسانية" والتي حصل عليها عيد من مؤسسة "الكرامة الإنسانية" الألمانية عام 2011، فضلًا عن تبرعات الأهالي العينية من الكتب والأدوات المكتبية، وتم إنشاء أول أفرع لها في مايو/ أيار 2012، تلاه افتتاح خمس مكتبات أخرى في طرة، وبولاق الدكرور، والخانكة، والزقازيق، وعين الصيرة، ولكن في ديسمبر/ كانون الأول 2016 شمعت المكتبات، ومعها شمعت أحلام وآمال أطفال كانت تسعى للنور، وهي انتهاكات لا يمكن فصلها عن جملة الانتهاكات التي دفعت عيد لقراره.
فمن الخاص للعام لا يختلف الأمر كثيرًا، فعلى المستوى الخارجي لم يرغب عيد في التواصل مع مجموعة الحوار الوطني التي تسعى من خلال منسقها عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان محمد أنور السادات، للإفراج عن المعتقلين من خلال الوساطة، ويلفت عيد إلى أن السفيرة مشيرة خطاب عضوة مجموعة الحوار الوطني كانت واحدة من المشاركين في غلق المكتبات على الرغم من زيارتها للمكتبة، وتفتيشها وأبدت الإعجاب بها ووجدت بها روايات نجيب محفوظ وإبراهيم عيسى، ولم تجد حينها كتبًا حقوقية أو دينية، وطلب منها حينها عيد أن تتولى إيصال رسالة بما رأت في مكتبات الكرامة وتبعدها عن الخلاف، ولكنها بحسب قوله "تواطأت" ولم توصّل رسالته بأمانة.
لم يرغب عيد في تقديم قائمة لمعتقلي الشبكة البالغ عددهم حاليًا شخصين إلى السادات ليسعى للإفراج عنهما، بعد الإفراج عن اثنين آخرين في الآونة الأخيرة، اضطر أحدهما للسفر لخارج مصر، كما أن البحث عن وساطة تلك المجموعة كان من الممكن أن يضعها في دائرة الضغوط التي تطول عيد ومن معه أو بالقرب منه " علشان محرجش السادات أو إنه المجهود اللي بيعمله يقف بسبب إنه بيقدم قائمة فيها معتقلين لجمال عيد، ويتم العداء معاه بشكل بوليسي".
وتشكلت اللجنة التي تضم في عضويتها أسماء من تيارات مختلفة، من بينهم السفيرة مشيرة خطاب، والمذيع يوسف الحسيني، ولكن من يتصدر المشهد هو منسقها محمد أنور السادات، الذي يؤكد دائمًا في تصريحاته وحواراته، أنه يسعى لخلق قنوات اتصال مع الدولة، وتقديم قوائم للإفراج عن المعتقلين.
ومع أن السادات "يقوم بالكثير من الجهد" كما قال عيد، "إلا أنه لا يؤتي نتائج كثيرة، فهو يحسن الظن كثيرًا في الأجهزة، ولكن ما يصدر غير ما يتم، فلا توجد دولة تتحاور أو تسعى لانفراجه كما يقال، من يفرج عنهم كان يجب الإفراج عنهم دون قضاء سنوات في حبس احتياطي دون تهم أو أدلة، وفي المقابل يقبض على آخرين، ولأن الدولة تسعى لتخويف الجميع، فأصبح كثيرًا من أسر المقبوض عليهم سواء معروفين أو غير معروفين يرفضون تدخل الحقوقيين لعشمهم بأنه سيتم الإفراج عنهم، ولكن لا توجد مؤشرات لتلك الانفراجة التي يتحدث عنها السادات وآخرون".
استراتيجية مزيفة وانفراجة وهمية
إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن عام 2022 سيكون عام المجتمع المدني، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان قبل عدة أشهر، دفعا عيد للتمسك أكثر بقرار إغلاق الشبكة "التجارب تجعلنا نتعلم، فعام الشباب كان من أكثر الأعوام الذي شهدت قبضًا على الشباب، وكذلك عام المرأة خلاله تم تجاوز انتهاكات حدثت لنساء من تعدٍّ وعنف وتحرشات من رجال شرطة ولم يعاقبوا، ثم قبض على نساء التيك توك، فأين الأمارة لعام المجتمع المدني".
عيد قال أيضًا إنه حرص على قراءة بنود الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بالكامل، التي يروَّج لها باعتبارها بداية عهد جديد بين الدولة والمواطن "إلا أنها لم تشر من قريب أو من بعيد لحقيقة الوضع الحالي، وأن هناك انتهاكات كثيرة من خلال أجهزة الأمن، وتصدير أن المشكلة تكمن في وعي المواطن، فهي تهدف لتضليل الحقائق، ومع أنها تتحدث عن الحبس الاحتياطي والنظر في أحكام الإعدام وتحسين السجون، إلا أن عيد يرى أنها بنود غير كافية لتحسن الأوضاع التي تساعده على الاستكمال. "تحدثت الاستراتيجية عن مراعاة الحبس الاحتياطي، ولكنها لم تتضمن بنودًا واضحة لإنهائه، كما أن الاستراتيجية تتحدث عن أن الإعلام يجب أن يعمل على تحسين وعي الناس، وفي الحقيقة الدولة هي التي تسيطر على الإعلام، نحن في النهاية ندور في حلقة مفرغة".
ومن استراتيجية المجلس القومي لحقوق الإنسان، يشير عيد إلى أن القادم أسوأ "المجلس السابق كنا نشتكي منه رغم وجود 3 أو 4 فيه بيحاولوا، ولكن القادم لو مفيش فيه جورج والسادات هنقول إنه متواطئ، وهو تعبير مش مغالى فيه، لأن أعضاءه إما يرفضون الاعتراف بالانتهاكات أو يحاولون تجميل صورة الدولة، فأصبحنا أمام أكذوبة اسمها انفراجة واستراتيجية مزيفة، ومجلس أكتر تواطؤ لضرب الأصوات المستقلة"، وهو ما يدلل به على أن مصطلح الانفراجة وهمية، وهو ما يستخدمه حسنو النية، فمعظمهم تراجع مؤخرًا عن استخدامه، فالانفراجة لديه تمثل "العودة لحكم القانون، ولو بعض الشيء".
وفي 4 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت اللجنة العامة لمجلس النواب، الانتهاء من التشكيل الكامل للمجلس القومي لحقوق الإنسان، وذلك طبقًا للترشيحات التي وصل إليها، بعد دوره استمرت 8 سنوات متتالية، ويضم المجلس الذي تترأسه السفيرة مشيرة خطاب، 27 عضوًا، بينهم أسماء جديدة مثل السفير محمود كارم محمود، نائب رئيس المجلس، والمحامية نهاد أبو القمصان، الناشطة في مجال حقوق المرأة، ومحمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، ومنسق لجنة الحوار الدولي، وأسقط التشكيل الجديد مجموعة كانت لها مواقف بارزة فيما يخص حقوق الإنسان والعمال وهم راجية عمران وكمال عباس وناصر أمين.
وباعتباره رجل قانون، فالانتهاكات أيضًا تحاوط مجاله الذي يدافع عنه وأصبح عاجزًا "فمن تقوم بالتدوير هي النيابة، ومن يتجاوز الحبس الاحتياطي ولا ينظر في بلاغات المواطنين والحبس على بلاغات ملفقة هي النيابة، والتي من المفترض أن تكون جهة محايدة، وهو وضع جديد فيه شرطة تفلت من العقاب وإعلام مسيطر عليه، فأصبحنا كمؤسسة عاجزين"، وهذا العجز أيضًا يصل لمشكلة النظام مع كل من شارك في ثورة يناير "فالنظام ثورة مضادة، ودائما الثورات العظيمة تعقبها ثورة مضادة متوحشة، فالأنظمة القمعية تعمل على نمطين نشر الخوف، ومقايضة المواطنين بين الأمن والحرية، وهو ما يتم الآن"، ولا ينفي عيد أن جزءًا من قراره بسبب الخوف، ولكن الجزء الأكبر كان بسبب العجز وعدم القدرة على مواجهة ما وصفه بتوحش الدولة.
التوحش يراه عيد في مجال عمل المحامين وهو واحد منهم، إذ أصبحوا غير قادرين على الحديث عن ما يتم في جلسات التجديد، أو ما يتم في المحاكم خوفًا من إلقاء القبض عليهم، أو استدعائهم، وهو ما دفع قطاعًا كبيرًا منهم يتحدث عن أمور غير القضايا أو ما يحدث في طرقات المحاكم، لأنه بحسب قوله "أصواتنا بقت نشاز".
ثلاثة أشكال من العداء
يقسم عيد أعداء "الثورة المضادة" إلى ثلاثة أنواع؛ الأول هم المواطنون العاديون الذين يقبض عليهم عشوائيًا ويقضون شهورًا ربما تصل لسنوات في الحبس، أما النوع الثاني فهم من شاركوا في ثورة يناير فإما الضغط عليهم لإخراسهم أو حبسهم، والنوع الثالث هو الانتقام الشخصي ومحاولات الكسر لأشخاص بعينهم "ما يحدث مع المهندس يحيى حسين وعلاء عبد الفتاح وشباب 6 أبريل، وغيرهم، بالإضافة لمضايقات أيضًا لمن خارج السجن. الانتقام ليس فقط في السجن لكن مع حدث معي والاعتداء عليا أو منع حسام بهجت من السفر، هي أمثلة مواجهة للسجن، من خلال عقلية شريرة تدير الملفات، لإخراس الأصوات، ومحاولة تجنيدهم".
في ديسمبر/كانون الأول 2019 تعرض عيد لاعتداء وتلطيخ بالطلاء، على يد من وصفهم "بعصابة" من المسلحين، متهما أجهزة أمنية بالوقوف وراء الاعتداء، وأوضح أن الهجوم وقع أثناء محاولته إيقاف سيارة أجرة بالقرب من منزله في المعادي، والمهاجمين كانوا ينتظرونه في ثلاث سيارات في مكان قريب من المنزل، وحينها نشر عيد صوره وهو ملطخا بالطلاء، وحرر محضرا لم يحرك حتى الآن.
القضية التي تمنع عيد من السفر، وتجمد أمواله، تمثل نوعًا وشكلًا مختلفين من الانتقام، منه ومن آخرين ما زالوا على ذمة القضية، التي ينطلق منها للحديث عن أنماط متكررة من الضغوط تمارسها أجهزة الأمن مثل ما حدث مثلًا مع منسق حركة مقاطعة إسرائيل في مصر رامي شعث الذي أفرج عنه مقابل التنازل عن جنسيته المصرية وهو ضغط يصفه بأنه "استخدام لقانون غير دستوري يمارس التمييز ضد المصريين في صالح الأجانب، ومن يسعى النظام لمصالح معهم سواء شراء أسلحة أو لتلميع صورته في الخارج، فبينما يترك لهم مواطنيين أبرياء لكسب رضاهم، مجبرًا، مقابل تخليهم عن الجنسية، في مساومة واضحة للجميع".
ومع أن قرار إغلاق الشبكة نهائي تبعه بيان أُرسل للإعلامين والصحفيين، إلا أن عيد يترك الباب مفتوحًا أمام التغيير والإصلاح، وعند حدوثه لن يحتاج لعودة المؤسسة، كما قال "فعند التغيير ستتاح حرية الرأي والتعبير والعمل السياسي دون الحاجة لغطاء، فالعمل الحقوقي ليس فقط لنشر الانتهاكات، لكن دوره أيضا في مبادرات الإصلاح والتعليم والقضاء وغيرها من المجالات، والتي يجب أن تتم بمبادرات وليس بمسك العصى من النصف، ففي الوقت الحالي المواقف إما مع الدولة أو ضدها، وعند تغير الحال وتغيره وفتح حوار حقيقي لن أتركه، ولكن لابد أن يكون حوارًا حقيقيًا يسعى للإصلاح".
لن يترك عيد الدفاع عن حقوق الإنسان، لكن سيتوقف عن العمل المؤسسي، وهذا التوقف خلق لديه شعورًا "بالراحة من التفكير في مصير العاملين، وأمنهم ومخاوف القبض عليهم، فطوال السنوات الماضية كنت أبحث عن ليلة نوم هانئة، وهو لم يتحقق بسبب المخاوف والضغوط، ولكن في المقابل وبرغم محاولات خلق فرص للعاملين، هناك شعور ما زلت أحمله بالمسؤولية عنهم، وما يهون عليَّ هذا الشعور، هو عدم التوسع في عدد الموظفين، وأيضًا المرتبات التي تمكنهم من العمل في أماكن أخرى"، مضيفًا "إحنا طول الوقت كنا حريصين على التوسع البطيء بدأنا بـ12 شخص وانتهينا بـ28، كمان مرتبات العاملين مكنتش عالية بسبب الموارد، فلما محامي بيقبض 5 أو 6 آلاف لو راح مؤسسة تانية وعرضت عليه نفس المبلغ مش هيحس بالفرق، لكن لو كان بياخد أكتر كان هيضطر يتنازل علشان يلاقي نفس المبلغ، وده اللي كنا بنسعى له من البداية البعد عن الفساد المالي، والعمل بأقل الإمكانيات".
ومن غرفة المحامين التي أصبحت خالية سوى من المقاعد والمكاتب، قال عيد إن "هناك أرشيفًا لا يمكن إخفاؤه حتى مع الإغلاق، فالموقع الخاص بالشبكة العربية لن يغلق، ولكن لن تؤرشف به الإنجازات التي قامت بها الشبكة، وسيظل الموقع مفتوحًا للجميع"، وأكد عيد أيضا أنه سيظل يوثق كل ما يصل إليه من شهادات من مواطنين ومحامين وغيرهم، وهو الأسلوب الذي تتبعه الشبكة منذ بدايتها، فربما تحتاج هذا الأرشيف في المستقبل عند تبدل الأمور، من تغير النظام، أو مد يده للإصلاح.