في السابعة مساء، تجري الدكتورة ليلى سويف اتصالًا هاتفيًا بابنتها منى، تتفقان على لقاء في الصباح الباكر للذهاب لسجن القناطر، انتظارًا لخروج سناء سيف، بعد انقضاء فترة "عقوبتها" التي امتدت سنةً ونصف، وفي نهاية المكالمة ترددان دعوات أن تكون تلك الزيارة الأخيرة لهذا السجن، الذي قبعت داخله سناء أكثر من 500 يوم.
سناء سيف، التي تنهي "عقوبتها" اليوم الخميس، بعد "إدانتها" بنشر أخبار كاذبة حول فيروس كورونا، في حكم صدر بعد اختطافها في يونيو/ حزيران 2020 من أمام مكتب النائب العام وهي تحاول تقديم بلاغ ضد اعتداءات موثقة بالصوت والصورة تعرضت لها على يد مدنيين تحت سمع وبصر رجال الشرطة، أمام سجن طرة، بينما كانت تحاول أمام سجن طرة الحصول على رسالة من شقيقها علاء، الذي كان محبوسًا آنذاك على ذمة قضية اتهم فيها بـ "الانضمام لجماعة إرهابية" و"نشر أخبار كاذبة"، لتظهر لاحقًا كـ "متهمة" أمام النيابة العامة التي أحالتها إلى المحاكمة بتهمة "إذاعة أخبار وبيانات كاذبة، عبر حسابها على فيسبوك، ادعت فيها تفشى فيروس كورونا داخل السجون المصرية وغياب التدابير الوقائية منه"، بالإضافة إلى "سبّ ضابط شرطة بألفاظ نابية".
ومع انتظار الأسرة تنفيذ الإفراج، تبقى مخاوف تأخير الإجراءات كما هو معتاد خاصة مع السجناء في قضايا سياسية، لتطول الإجراءات القانونية، إذ يرسل السجن أوراق المتهم المخلى سبيله إلى النيابة التي تباشر التحقيق في القضية، لختمها ويسمى هذا بصحة الإفراج. ثم يُرسل المفرج عنه مصحوبًا بصحة الإفراج إلى قسم الشرطة التابع له محل إقامته، ويتم فحص المخلى سبيله من قبل قسم الشرطة للتأكد من خلو صحيفته الجنائية من الأحكام واجبة النفاذ أو الطلب لقضايا أخرى، ثم يتم إخلاء سبيله من قسم الشرطة.
لكن في بعض الحالات تم تأجيل نقل المتهم إلى القسم بأعذار غير منطقية، مثلما حدث مع الصيدلاني اليساري جمال عبد الفتاح وعدد من النشطاء السياسيين الذين تم إخلاء سبيلهم بقرار من النيابة، في 22 يوليو/ تموز 2019، ولم يتم نقلهم من السجن إلا بعد بضعة أيام، ثم مكثوا في الأقسام لمدة تجاوزت الثمانية أيام.
وهناك أيضًا "تأشيرة الأمن الوطني"، وهي إجراء غير قانوني لكنه أصبح شبه عُرف في قضايا أمن الدولة ومع بعض المتهمين السياسسين، وهي التأشيرة التي قد يطول انتظارها، أو تنتهي بتدوير المتهم على ذمة قضية جديدة.
سناء "يناير"
سناء سيف الناشطة السياسية التي انخرطت في الثورة المصرية عام 2011، كانت طالبة في كلية اللغات والترجمة بجامعة 6 أكتوبر حتى اعتقالها للمرة الأولى عام 2014، ثم حصلت على عفو رئاسي مع 100 آخرين في سبتمبر/ أيلول 2015 ثم تم حسبها مرة أخرى في مايو/ أيار 2016 بتهمة إهانة القضاء وكانت المرة الثالثة في العام الماضي، وحينها تعرضت لاعتداء جسدي أمام سجن طرة حيث كانت تنتظر مع والدتها رسالة علاء.
أصبحت سناء رمزًا للثورة منذ مشاركتها في ثورة 25 يناير، وقد انخرطت بقوة في العمل السياسي منذ مشاركتها في احتجاج على تعذيب وقتل خالد سعيد على يد الشرطة، ويراها البعض روح الثورة، مما دفع الفنان عمار أبو بكر إلى رسم لوحة جدارية لها في روما بإيطاليا.
أصدقاء سناء وأسرتها دشنوا لها صفحة عقب القبض عليها، للمطالبة بإطلاق سراحها، ثم نشر الأخبار الخاصة بها عقب الحكم عليها، ويبلغ متابعو الصفحة أكثر من 9 آلاف شخص يتابعون الأخبار ويشاركونها، وينتظرون خروجها أيضا، كما ينتظرون محاولات خروج "كوشي" معها لتنعم هي الأخرى بحياة جديدة خارج أسوار السجن.
انتظار وترقب
بعد مرور فترة العقوبة، وفي الليلة السابقة، لم تنعم الدكتورة ليلى، وهي أستاذة للرياضيات البحتة بكلية العلوم في جامعة القاهرة، بقسطٍ كافٍ من النوم، وهو نفس الحال بالنسبة لمنى، فمشاعر الترقب والانتظار والخوف الدائم أيضًا من "المفاجأت" كما قالت سويف للمنصة هي المسيطرة "المفروض إنه في السجن قالوا لنا هتخرج من هنا على القسم التابع لها محل إقامتها وهي قسم العمرانية بدون تأخير أو مشاكل، أنا عارفة إنها هتخرج من السجن بسرعة بس باقي الإجراءات مش عارفين هتمشي إزاي، هل هتطلع على القسم على طول ولا هتروح الأمن الوطني الأول، محدش يعرف".
في نفس الليلة أيضًا حرصت سويف على ترتيب المنزل وترتيب حجرة سناء وأغراضها التي ستستخدمها عقب خروجها، ولكنها لم تُعد الطعام "بصراحة قلت الأكل أسيبه لما تخرج فعلًا، لأن النهاردة الخميس وممكن بسبب الإجراءات تتأخر للسبت على متخرج فقلت بلاش أعمل حاجة وأزعل إنها مأكلتش منها".
المحامي محمد فتحي أحد أعضاء فريق الدفاع عن سناء، أوضح للمنصة أنه وفقًا للقانون من المقرر أن يتم ترحيل سناء لقسم العمرانية لإتمام الإجراءت، مشيرًا إلى أنه حصل على مستند رسمي من نيابة القاهرة الجديدة يفيد بأن الخميس هو آخر يوم في فترة قضاء عقوبة سناء "ده اللي المفروض يحصل أو المتوقع، لكن اللي هيحصل إيه فعليًا ده هنتابعه وقتها".
أصدقاء سناء الذين أجروا العديد من الاتصالات بوالدتها وشقيقتها لمعرفة موعد الخروج ينتظرونها كما تنتظرها كلبتها "توكة"، فهي ستكون من السعداء عند رؤيتها، هكذا قالت سويف وهي تحاول التغلب على مشاعر القلق والترقب في الساعات التي تفصل بينها وبين رؤية ابنتها "توكة مشافتش سناء خالص طول فترة الحبس، لأنه طبعًا مينفعش نجيب كلبة معانا الزيارة، فهي مفتقداها كتير وكمان سناء محتاجة تشوفها جدًا، فترة بعد سناء عن توكة مأثرة فيها وبتبان لما بتجري على حاجة من هدومها تشم ريحتها فيها وكأنها بتدور عليها، وعلشان سناء تحس إنها معاها أي حاجة من ريحتها كنت ببعت لها كتب متاكلة منها أو علب توابل متقرقضة علشان تحس بريحتها".
وجود "توكة" ربما يخفف عن سناء محاولات حصولها على قطة حرصت على رعايتها داخل محبسها "القطة اسمها كوشي، سناء خدت بالها منها وهي جوه وكانت صغيرة خالص وكانت بتبعت لنا في جوابات ووقت الزيارة إزاي بتتعامل معاها، الحقيقة سناء مكنش عاجبها اسمها بس زميلاتها في السجن سموها كوشي وهي مرضيتش تغيره، ومن كتر تعلق سناء بيها حاولت تخرجها مع منى في كذا زيارة لكن كان بيترفض".
ورغم العلاقة التي جمعت سناء و"كوشي"، وعملت على تخفيف وطأة فترة حبسها، فإن هذا التعلق يخيف الأم "بصراحة خايفة سناء تعند ومترضاش تطلع لو مرضيوش يسيبوا لها القطة تخرج بيها، ده اللي مخوفني لأني عارفة سناء كويس، وهي متعلقة بالقطة جدًا".
مخاوف الأم تقابلها الشقيقة منى بشكل آخر من الدعابة، فكتبت عبر صفحتها الشخصية عبر فيسبوك عدة منشورات حول كوشي وصفتها بأنها محتجتزة من قبل الأمن الوطني، ورددت هتاف على سبيل الدعابة "سيبوا القط يشوف النور قط سناء حلو وشطور".
وبعد فترة من المزاج حول "كوشي" و"توكة"، ودعوات لوداع طريق سجن القناطر، قالت سويف بنبرة جادة إن توقيت خروح سناء جاء مناسبا للتهوين على الأسرة جميعها الحكم الذي حصل عليه علاء "وقت الخروج مهون عليَّ وعلى منى وعلى علاء نفسه كتير، أظن لو كان الحكم صدر وسناء مش هتخرج قريب الوضع كان هيكون أقسى من كده بكتير، علاء مستنى سناء تخرج ومستنيها تروح له زيارات".
وقبل أيام، حكمت محكمة أمن الدولة طورائ بحبس الناشط والمبرمج علاء عبد الفتاح 5 سنوات، نشر أخبار كاذبة من شأنها تهديد الأمن القومي، وهو الحكم الذي يعد نهائيًا وينتظر تصديق الحاكم العسكري، دون أي درجات للاستئناف أو الطعن.
بعد خروج سناء ستتبدل الأدوار كما وصفت الأم، وستتحول من سجينة تنتظر زيارة أسرتها، لشقيقة تشارك في زيارة شقيقها السجين، وهو وضع عاشتها من قبل في فترات سجن علاء السابقة، كانت ترسل له الرسومات والجوابات، وتشارك أيضًا في الزيارات التي ستكررها مجددًا "سناء دايمًا كانت بتجب تجيب معاها موكا وكرواسون وتعمل لنا جو حلو وقت الزيارات لعلاء قدام باب السجن، كنوع من أنواع التخفيف للقهر والعبث المتواصل اللي عايشين فيه" تقول شقيقتها منى.
تنتظر منى شقيقتها سناء، التي تسيطر عليها كما وصفت للمنصة مشاعر مختلطة، ولكنها تحاول ترتيب ما تنوي فعله مع شقيقتها، فهناك الكثير من الأحاديث خلف الأسوار كانت لا تكفي الـ20 دقيقة الخاصة بالزيارة للحديث عنها أو مشاركتها معها، كما أن هناك أماكن سيذهبان لها سويًا، والتمتع بضوء الشمس الذي لم يجمعهما سويًا منذ سنة ونصف، والتجهيز لزيارات علاء سويًا أيضًا، وتحضير قائمة بمنوعات الطعام التي حرمت منها سناء داخل السجن وإعدادها لها، وكتب وأفلام سيشاهدونها سويًا، وسرير واحد من الممكن أيضًا أن يجمعهما سويًا.تتفق منى مع والدتها في أن توقيت خروج سناء يهوّن صدمة حكم علاء عليهما.
ولكن أيضًا التوترات التي شهدتها الأسرة اليومين الماضيين أثرت على ترتيبات استقبال سناء "الأسبوع اللي فات كان صعب ما بين زيارة علاء وانتظار الحكم ومحاولة إننا نوصل له الحكم، فده مخلناش قادرين كفاية نرتب لاستقبالها، بس قررنا نرتب شوية حاجات كانت مدربكة في البيت هي تحب تشوفها مترتبة، وصحابها قالوا هيعملوا أكل ويجيبوا شيكولاتات، والزيارة الجاية لعلاء أي إن كان وقتها هتكون من نصيب سناء، لأن هو كمان متشوق جدا يشوفها".
بجانب الانتظار تتوقع منى أن يشهد اليوم أيضًا مفاجأت "متأكدين إن اليوم هيكون فيه شوية مفاجأت زي مبيحصل لنا طول القوت، لأنه لسه كمان مش عارفين هي هتطلع منين بالضبط".