مشهد سياسي ساخن في اسطنبول بعد فوز أكرم أوغلو، ممثل حزب الشعب الجمهوري المعارض، في انتخابات البلدية للمرة الثانية على منافسه بن علي يلدريم، مُرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم المتحالف مع حزب الحركة القومية، لينهي ربع قرن من حكم حزب العدالة والتنمية لاسطنبول، ويعيدها لسيطرة أنصار كمال أتاتورك.
وكان أوغلو قد فاز في الانتخابات التي عقدت في31 مارس/آذار الماضي لكن اللجنة العليا للانتخابات قررت إعادة الانتخابات في 23 يونيو/حزيران الحالي، بعد طلب من حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي شكا من حدوث مخالفات، وهو ما وصفه أكرم أوغلو وقتها "بالخيانة"، وأثارت انتقاد البعض حتى من المحسوبين على الحزب الحاكم مثل عبد الله غول وداوود أوغلو.
وأتت الانتخابات في مناخ سياسي مضطرب، واتهامات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان باستغلال محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 15 يوليو/ تموز 2016، لشن سلسلة من الاعتقالات وعمليات القمع لمعارضيه.
وتعتقل تركيا الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر اﻷحزاب في البرلمان التركي، صلاح الدين دميرتاش، بتهمة قيادة منظمة إرهابية. وخاض دميرتاش الانتخابات الرئاسية في 2018 من وراء القضبان.
وتعتقل تركيا دميرتاش منذ نوفمبر/ تشرين ثان 2016، وحُكم عليه بالسجن 4 سنوات و8 أشهر، ويواجه أحكامًا بالسجن تصل إلى 148 عامًا، في تهم تتعلق باﻹرهاب. ويمثل دميرتاش اﻷقلية الكردية التي تبلغ نحو 20 مليونًا من إجمالي سكان تركيا البالغ عددهم 80 مليونًا.
وتصنّف تركيا ضمن أسوأ الدول في حرية التعبير والصحافة، وتحتل المركز 157 وفقًا لمؤشر حرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود، على بُعد أربعة مراكز من مصر صاحبة المركز 163.
لا تدخل من الشرطة
كمواطن مصري حضر إلى اسطنبول منذ أسبوع فالملاحظة الأولى هي حضور السياسة بشكل لافت، فالأحزاب المتنافسة تدعم مرشحيها وتتواصل مع الناخبين من خلال تواجدها في الشوارع الرئيسية، وحتى الميادين الصغيرة داخل الأحياء، عن طريق النقاش مع المواطنين وتوزيع المنشورات الانتخابية والأعلام والأغاني التي تبثها تلك المنصات، دون تدخل أو وجود للشرطة، ودون حدوث مشادات مع أحد.
وتصل الملصقات إلى أبواب المنازل للتعريف بالمرشح وبرنامجه الانتخابي، أما البلديات نفسها فهي حاضرة طول الوقت فهي التي تنفذ عملية النظافة ووضع صناديق القمامة، والاعتناء بالحدائق العامة المتعددة (والمجانية بالمناسبة) وأكشاك الخبز، بل وتنظيم الفعاليات الثقافية كالمهرجان الذي حضرته لمدة أسبوع، واشتمل على معارض للسلع المتنوعة من أغذية ومنسوجات وكتب، وأنشطة للأطفال والكبار وحفلات موسيقية وغنائية، كل ذلك في مكان مجهز ونظيف مقدم مجانًا للجميع.
بهدوء وسلاسة
أما العملية الانتخابية، كما شاهدتها بنفسي في أحد المقار الانتخابية، فهي تتم في سهولة ويُسر لمدة 9 ساعات خلال يوم الإجازة الأسبوعية، دون تزاحم أو اتخاذ تدابير أمنية، لا يوجد فرد شرطة أو جيش ولا مَن يسألك عند دخولك للمقر، كل شيء يتم بهدوء وسلاسة دون ضباط أو قضاة.
ذكّرني ذلك بحال المحليات في مصر التي انعدم دورها في تسهيل حياة الناس، وتحولت لمستنقعات من الفساد والمحسوبية، وانتخاباتها التي كانت تتم دون حضور جماهيري وبنتيجة 99% للحزب الوطني.
تلك المحليات مر عليها أكثر من 8 سنوات دون انتخابات، والتي وعد عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة بإقامتها ولكنه لم يف بوعده، وتعددت التكهنات حول اﻷسباب، ما بين عدم وجود قدرة على تحمل التكلفة المادية أو عدم وجود رغبة لدى الدولة في اقامتها، وأصبح الجميع في انتظار صدور قانون المحليات وانتخابات المجالس المحلية من مجلس النواب.