على مدى 3 شهور، تستقبل هند مصطفى المقيمة في مدينة سفاجا بمحافظة البحر الأحمر، الساعة الرابعة فجرًا من يوم الرابع عشر من الشهر بلهفة وكأنه "يوم فرح أو عيد"، فهو الموعد الشهري الذي تتدفق فيه المياه من الصنبور دون انقطاع، لتمتلئ الخزانات فوق المنازل والزجاجات والأطباق البلاستيكية.
هند ليست الوحيدة، يصف حازم الطيب، وهو أحد سكان مدينة القُصير بالغردقة، ذات المعاناة بأنها "نصف حياة".
بدأت أزمة انقطاع المياه لفترات طويلة في المحافظة في يوليو/تموز الماضي، وفق هند، والتي تقول لـ المنصة "المايه بتيجي يوم واحد في الشهر، ونكمل باقي الشهر بالخزانات أو جراكن المايه، سعر الطن 30 جنيه، غير تكلفة المواصلات 450 جنيه، أو شرا مايه معدنية"، قبل أن تعلق "ده خراب بيوت".
تتعجب هند من الوضع الحالي، قائلة "المايه كانت تقطع لمدة أسبوع، وبعدين الوقت بدأ يتضاعف لحد ما وصل الانقطاع لشهر"، وتساءلت لماذا لا تنقطع المياه بالقرى والفنادق السياحية؟
أما الطيب فيشير إلى أن أزمتهم الرئيسية أن المياه تصل إليهم من محطات تحلية، وتحتوي على نسبة أملاح مرتفعة زادت نسبتها مع طول فترة الانقطاعات.
وتخدم محافظة البحر الأحمر 12 محطة لتنقية مياه الشرب، بينما تصل أطوال شبكات المياه إلى 2208 كيلو مترًا، بحسب الموقع الرسمي للشركة.
الكهرباء السبب
أرجع مصدر مسؤول بشركة المياه بالبحر الأحمر، وهو مطلع على الأزمة، الانقطاعات الطويلة إلى انقطاع الكهرباء، موضحًا في حديث لـ المنصة، أنه يوجد ثلاثة مداخل للمياه في المحافظة، أهمها فرع الكريمات الذي يصل من قنا إلى الغردقة بمسافة 400 كيلو متر، وأثناء سير المياه يتعرض الخط إلى أمطار في الشتاء، ودرجات حرارة مرتفعة في الصيف تؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي.
وأضاف المصدر أن قطع التيار الكهربائي يؤدي إلى تراجع 100 كيلو متر أو أكثر من المياه، كما أن محطات رفع المياه المسؤولة عن ضخها تتعطل، بخلاف التكسير الموجود في خط الكريمات حاليًا، كل هذه العوامل تؤدي إلى تأخير ضخ المياه.
لكن المتحدث الإعلامي لمحافظة البحر الأحمر محمد مخلوف أرجع في حديث لـ المنصة، الأزمة الأخيرة إلى نقص قطع غيار بعض المواسير، وزاد أنهم يعملون على استيرادها من الخارج كي تنتهي الأزمة، مقرًا بحدوث كسر منذ فترة في خط الكريمات الرئيسي، لكنه "أُصلح"، وهو عكس ما أكده المصدر في شركة المياه بالمحافظة.
وأضاف المصدر في شركة المياه "أنت عايز المايه تطلع مسافة 400 كيلو متر وأنا بصلح خط الكريمات ومحتاج معدات ثقيلة وسيارات وقطع غيار وأفراد، ومطالبني أضخ 300 ألف طن مايه"، مشيرًا إلى أن الشركة هنا ليست صاحبة المسؤولية، ولم تقصّر مع المواطنين، على حد قوله.
طابور المياه
بعد عشرة أيام على أقصى تقدير من زيارة المياه منزل هند، تقف ربة المنزل ساعات طويلة في طابور داخل شركة المياه لملء مزيد من الجراكن والزجاجات، تقضي بها حوائجها لحين موعد زيارة المياه المقبل، أما في المناسبات والأعياد فتضطر هند، الأم لثلاثة أبناء، أن تقف في الطابور مرتين.
لا تملك هند رفاهية طلب المياه "دليفري" بتكلفة أكبر، كما يفعل بعض أهالي المحافظة، فتقطع طريقًا يستغرق ساعة ونصف، وتقف في طابور لحين قطع "البون" لكل طن بـ30 جنيهًا، ثم في طابور استلام المياه، في يوم لا تعلم متى ينتهي "مبعملش أكل اليوم ده، ومبرجعش البيت إلا بالليل".
يشارك الطيب، والذي يعمل موظفًا في ديوان محافظة البحر الأحمر، هند الهم نفسه والمساحة الجغرافية، إذ يعيش في منطقة مجاورة لمنطقة سكنها جنوب الغردقة، بعيدًا عن مركزها بنحو 60 كيلو مترًا، والذي يعتبر أول مناطق الأزمة.
يضيف الطيب "أما المنطقة الثانية هي الأشغال العسكرية والقصير، والتي تعتبر منطقة عشوائية، والمنطقة الثالثة تضم مجلس المدينة والإسكان والإذاعة والتليفزيون وبالشارع الخلفي شقق مبارك وأبو النصر".
تعاني مصر عجزًا مائيًا يُقدر بنحو 35 مليار متر مكعب
في منطقة القصير، يعاني علاء السيد الأمر نفسه، يقول لـ المنصة، إن الأهالي على مدار 3 شهور تقدموا بما يقرب من 3000 شكوى لشركة المياه، ولا رد سوى أن الأزمة ستحل قريبًا.
ويقر المصدر المسؤول في شركة مياه البحر الأحمر بوصول هذا العدد من الشكاوى، لكنه اعتبره "رقم ضئيل بالنسبة لمحافظة يقيم فيها مليون شخص".
وأشار إلى أن محطات المياه تعمل على مدار الـ24 ساعة وتضخ المياه بنظام المناوبات، فكل حي يحصل على يوم واحد في الأسبوع، و"عند انقطاعها لأكثر من أسبوع يتم إرسال سيارات مياه، وهذا حدث في القصير وسفاجا وحلايب".
وبالنسبة لشركة المياه الرئيسية في القاهرة، فإن الأزمة "غير موجودة"، إذ نفى مسؤول بها في حديث لـ المنصة، الانقطاعات "هذه المناطق تصل إليها المياه منذ سنوات، بنظام المناوبات، بواقع يومين إلى ثلاثة أيام أسبوعيًا، وفق جدول واضح ومعروف للمواطنين، الذين يعتمدون على تخزين المياه في خزانات لاستخدامها لاحقًا على مدار الأسبوع".
وتنشر شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالبحر الأحمر على فيسبوك، جداول بشأن مواعيد ضخ المياه، ويلاحظ أن المياه تصل تباعًا لمناطق مرة أسبوعيًا وفق المنشور، لكن تُظهر تعليقات لمواطنين شكاوى من أن الجدول لا يُنفذ، أو أن بعض المناطق غير متضمنة.
وبرر المصدر نفسه الانقطاع أيضًا بزيادة الاستهلاك في فصل الصيف، مع توافد المصطافين وبخاصة في الغردقة.
وكان رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي المهندس ممدوح رسلان، أعلن في تصريحات سابقة، التوسع في تحلية مياه البحر كمصدر مهم للمياه بالمحافظات الساحلية؛ بهدف عدم نقل مياه النيل إلى المناطق البعيدة من خلال شبكات بأطوال تصل لمئات الكيلومترات، فضلًا عن التعديات على خطوط نقل المياه مما يؤدى إلى إهدار كميات هائلة من المياه.
وتتجه الدولة إلى التوسع في تحلية مياه البحر في ظل العجز المائي الذي تعانيه، وسبق ووجه رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي بتوفير مختلف الأراضي اللازمة لإقامة محطات لتحلية مياه البحر، ضمن خطة الدولة لتوفير مياه الشرب لمختلف المحافظات الساحلية.
وتعاني مصر من عجز مائي يقدر بنحو 35 مليار متر مكعب بحسب البيانات المعلنة حتى يناير/كانون الثاني الماضي، بينما حذر وزير الري هاني سويلم في 22 أغسطس/آب الماضي، من اقتراب مصر من الشح المائي.
وبالنسبة لهند فإن خطط المسؤولين طويلة الأمد ليست حلًا لزيارة المياه مرة في الشهر، قائلة لـ المنصة بحسرة أنها لا تستطيع تلبية رغبة صغارها في أكل أنواع مختلفة من الأطعمة، التي يشتهيها أبناؤها وتحتاج إلى كميات من المياه، "بخاف على نقطه المياه علشان ما أحملش جوزي مصاريف زيادة"، وتضيف "حتى الاستحمام بقى بمواعيد".